(فصل): [في أفعال العباد]
  وقالت (المجبرة جميعاً: لا فعل له) أي: للعبد - ومن هنا أُطلق عليهم اسم الجبر، فيقال لهم: مجبرة؛ لقولهم: إن العبد مُجْبَرٌ على فعله، أي: مُكْرَه عليه لا اختيار له فيه، ثم اختلفوا: فقالت (الصوفية والجهمية) أصحاب جهم بن صفوان: لا فعل للعبد، ولكن (يخلقه الله فيه)، فالعبد عندهم كالشجرة التي تتحرك بتحريك الله سبحانه وإرادته، ونسبةُ الفعلِ إليه كنسبة الطول والقصر والسواد والبياض.
  وقالت (النجارية(١)) وهم فرق كثيرة من المجبرة بناحية الرَّيّ منسوبون إلى الحسين بن محمد النجار، (والكلابية) فرقة منهم منسوبون إلى عبد الله بن سعيد بن كُلَّاب (والأشعرية) فرقة منهم منسوبون إلى عمرو بن أبي بشر الأشعري، وقيل: علي بن أبي بشر، (والضرارية(٢)) أصحاب ضرار بن عمرو، (وحفص الفرد: بل الله تعالى يخلقه كذلك) أي: في العبد، فهو فعله تعالى (وللعبد منه كسبٌ(٣))، فأثبتوا لفعل العبد جهتين: كونه خلقاً لله تعالى، وكونه كسباً للعبد؛ لما رأوا من
(١) هم فرقة من المجبرة وهم أصحاب حسين النجار وهم فرق يجري بينهم اختلاف وتكفير وهو يقول بخلق الأفعال وأن الاستطاعة مع الفعل ويقول إنه تعالى مريد لجميع القبائح وقال: لا أبالي أخلق الشيء غير الشيء أو هو الشيء، وهذا تصريح منه أنه لا يبالي أخطأ أم أصاب وهو حائك. (الشافي للإمام عبدالله بن حمزة باختصار).
(٢) قال في الشافي عند ذكر تعداد فرق المجبرة: ومنهم الضرارية أصحاب ضرار بن عمرو، ومن قوله: إن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وأن الاستطاعة قبل الفعل وهو بعض المستطيع وأن الله يرى بحاسة سادسة وأن الجسم أعراض مجتمع، وأن لله تعالى ماهية لا يعلمها إلا هو، وأتباعه قليل. انتهى باختصار.
(٣) قال المولى العلامة الحسين بن يحيى الحوثي ¦ في القول السديد: الجواب عليهم: أنا نقول لهم: هل الكسب فعل للعبد أم فعل لله؟ فإن قالوا: فعل لله؛ لم يخرجهم ذلك عن الجبر ومذهب جهم، بل وقعوا فيه من جهتين: من جهة الفعل، وجهة الكسب، ولم يبقوا للعبد كسباً. فإن قالوا: فعل للعبد؛ فإما أن يكون بقدرة مقارنة موجبة؛ فهو عين الجبر، وإما أن يكون بقدرة متقدمة على الفعل غير موجبة له بل تتوقف على اختيار العبد؛ فقد أثبتوا للعبد فعلاً، فما الفرق بينه وبين سائر الأفعال؟ وما الدليل الذي دل على أن الفعل الذي هذا الكسب كسب فيه بقدرة موجبة له ليس للعبد فيه اختيار وهذا الكسب فعل يتوقف على اختيار العبد، وما الفرق بينهما إذاً؟ وإن كان الكسب فعل لله وللعبد فيه كسب أيضاً لزم التسلسل، ولزم في الكسب الثاني ما ذكرنا في الأول، وهكذا. اهـ بلفظه.