[الكلام على قدرة العباد وخلقها فيهم وإيجاد أفعالهم بها وما يلحق بذلك]
  وقالت (الأشعرية: بل خلق لهم قدرةً لا يُوجدون بها فعلاً) ولا يملكون الانتفاع بها؛ حيث جعلوها موجبة للمقدور، فالقدرة المُوجِدَةُ للفعل هي قدرة الله تعالى بزعمهم، وإنما أثبتوا للعباد قدرةً غيرَ معقولة؛ فراراً عمَّا لزمهم من إنكار الضرورة.
  (قلنا:) إذا كان كما زعمتم (فلا فائدة إذاً فيها)، بل لا تُسمَّى لهم قدرة رأساً، (ولنا) عليهم (ما مَرَّ) من ثبوت الاختيار للفاعل المختار، ومن وقوع الفعل على حسب دواعيه وانتفائه بحسب صوارفه، (و) لنا أيضاً (ما نذكره الآن إن شاء الله تعالى).
  وقالت (الصوفية والجهمية:) إن الله (لم يخلق لهم قدرة البتَّة)، بل الله يصرفهم ويفعل بهم ما شاء.
  (قلنا) ردّاً عليهم: (إمَّا أن يكون الله تعالى قادراً على أن يخلق لهم قدرة يُحدثون بها أفعالهم) كما هو المعلوم قطعاً (أو غيرَ قادرٍ، ليس الثاني) من القسمين؛ (لأنَّ الله على كل شيء قدير، وإن كان الأول) وهو أن يكون الله تعالى قادراً على أن يخلق لهم قدرة (فقد فعل سبحانه) أي: خلق لهم قدرة، بها يتصرفون وبها ينتفعون، وبها يُمدحون ويُثابون ويُكرمون ويُذَمُّون ويُعاقبون (بشهادة ضرورة العقل) كما تكرر ذكره، (و) بشهادة (صريح القرآن حيث يقول) ø: ({مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت: ٤٦])، فصرَّح جل وعلا بأن العامل للعمل الصالح وللسيئة هو العبد بما جعل الله له من القدرة على العمل، وجعل الاختيار إليه في عمل أيهما شاء؛ ليستحق الثواب ويتم التكليف الموصل إلى أسنى الذخائر وأرفع المنازل، ولو منعه جل وعلا عن فعل المعصية لم يستحق الثواب على فعل الطاعة ولا ترك المعصية ولبطل التكليف؛ إذ هو مُلْجَأ حينئذٍ، (و) كذلك (شهادة كل عاقل عليهم) بأنه قد خلق لهم قدرة.
  (قالوا) أي: الأشعرية والصوفية والجهمية: (لو فعل) أي: لو خلق الله تعالى