[كلام بعض المخالفين في الإرادة والجواب عليهم]
  المرادات، (و) يلزم أيضاً (أن يكون أولُ مخلوقٍ) لله ø (غيرَ مرادٍ؛ لعدم وجود غيره تعالى) تحل فيه تلك الحركة (حينئذٍ) أي: حين خلق الله أول مخلوق قبل أن يخلق محلاً لتلك الإرادة - وهذا الحين إنما هو مفروض مقدر؛ إذ لا وقت قبل أن يخلق الله شيئاً - (وذلك يستلزم نحو العبث)، والعبث قبيح، ونحوُه: كالسهو والغفلة (كما مَرَّ) في الرد على المعتزلة.
  (قالوا) أي: من خالفنا في الإرادة: الدليل على كونه تعالى مريداً كإرادة الواحد منَّا أن قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله} خبرٌ يصلح أن ينصرف إلى كل واحد من المُحَمَّدين و (لا ينصرف) أي: (محمد رسول الله ÷ إلى ابن عبد الله) النبيء الأميِّ (إلَّا بإرادة من الله تعالى) بكونه(١) المقصود بهذا الخبر من بين المحمَّدين. قالوا: لأن صفة هذا الخبر - وهو كونه خبراً عن محمد بن عبد الله بخصوصه، وهي الصفة التي يتميز بها عمَّا سواه من الأخبار - لا يصح أن يستحقها هذا الخبر لذاته أو لشيءٍ من صفاته؛ لأن ذات هذا الخبر وصفاته مع سائر المُحمدين على السواء، ولا يستحقها لمعنى(٢)؛ لاستحالة قيام المعنى بالمعنى - فلم يبق إلا أن يستحقها بالفاعل، وليس ذلك لكونه قادراً؛ إذ لا تأثير لها إلَّا في الإحداث، وكون الخبر خبراً صفةٌ زائدة عليه، ولا لكونه عالماً؛ إذ لا تأثير لها إلَّا في الإحكام وهذه غير الإحكام، وإذا بطل تأثير هاتين الصفتين فتأثير غيرهما أبعد - فلم يبق إلا أن يكون لكونه مريداً، وهو المطلوب.
  قالوا: وأيضاً قد أمر وأباح وتهدَّد بصيغة واحدة، نحو: أقيموا الصلاة، فالآن باشروهن، اعملوا ما شئتم فلولا أنه مريدٌ لِمَا تناوله الأمر وكارهٌ لِمَا تناوله التهديد وغير مريدٍ ولا كارهٍ لما تناولته الإباحة - لَلَزم أن لا يتميز بعضُ هذه من بعض.
  (قلنا: لم ننفها) أي: الإرادة؛ (إذ هي) في حق الله تعالى (ما ذكرناه)؛
(١) في (ب): «بأنه».
(٢) في الأصل: بمعنى. وما أثبتناه من (أ، ب).