[إثبات الإرادة للعبد ومعناها]
  كفراً. وهذا هو الحق، ويدل على ذلك ما روي عنه ÷ أنه قال: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قيل: يا رسول الله، فهذا القاتل فما بال المقتول؟ فقال: «إنه أراد قتل صاحبه»(١).
  وأما ما لم يدخل تحت الوسع من أفعال القلوب فإنه غير مُؤاخذ به؛ لقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، وكذلك قوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا}[الطلاق: ٧]، [وذلك كالخواطر التي تَرِدُ على القلب من غير عزم. هكذا ذكره الإمام يحيى #، قال: وأما إرادة القصد فقد تكون كفراً، وهذا نحو أن يريد بسجوده عبادةَ الشيطانِ أو الأوثانِ والأصنام](٢).
  وقد ذهب أكثر المعتزلة أنها لا تعلق بالنفي، قالوا: إنما تعلق بما تؤثر فيه والنفي لا يفتقر(٣) إلى مؤثر. قالوا: ونية الصوم وإرادته متعلقة بكراهة المفطرات.
  قلنا: إن أحدنا يجد من نفسه إرادةَ أن لا يكون كذا، ويعلمه ضرورة.
  فإن قالوا: هي راجعة إلى الكراهة فإرادة أنْ لا يقوم هي كراهة قيامه - قلنا: فيلزم من ذلك قبحُ إرادةِ أنْ لا يقوم؛ لأنها على ما زعمتم كراهةٌ، وكراهةُ الحَسَنِ قبيحةٌ مطلقاً، والقيام حيث هو مباح لزيد حَسَنٌ بلا شك. ثم نقول: وما الدليل على أنها لا تعلق إلَّا بما يصح تأثيرها فيه إنْ(٤) سَلَّمْنَا لكم صحة تأثيرها، فهلا كانت كالاعتقاد يصح بما يؤثر فيه المعتقد وما لا يصح تأثيره فيه؟
(١) رواه المرشد بالله # في الأمالي الخميسية عن أبي بكرة، ورواه أبو طالب # في الأمالي بلفظ: «إذا تواجه المسلمان ... إلخ»، ورواه البخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه، والنسائي في سننه، وأبو داود في سننه، وابن ماجه في سننه عن أبي موسى، والطبراني في الأوسط، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في سننه، وغيرهم.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، وموجود في (ش ك).
(٣) في (أ): لا يفتقر فيه إلى مؤثر.
(٤) في الأصل: وإن سلمنا. وفي (أ، ب): إن سلمنا. بدون واو.