عدة الأكياس في شرح الأساس لعقائد الاكياس،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل: «والله سبحانه مريد لجميع أفعاله»)

صفحة 317 - الجزء 1

  (والله تعالى مريدٌ لأكل أهل الجنة) في الجنة وشرابهم وتلذُّذهم بمنكوحاتهم وملبوساتهم وسائر نعيمهم (وفاقاً لأبي هاشم، وخلافاً لأبيه) أبي علي، قال: لأنه من المباح.

  قلنا: ليس كذلك؛ (إذ هو) من الجزاء الذي أعدَّه الله لأهل الجنة، فإرادتُهُ تنعمهم وتلذُّذهم به (أكمل للنعمة) عليهم من الله سبحانه، ولقوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}⁣[المرسلات: ٤٣]، (وإذ لا خلاف بين العقلاء أن المُوفِّر العطاء⁣(⁣١) من أهل المروءة والسخاء) من المخلوقين الذين جُبلوا على الحاجة (يريد أن يقبل المُعْطَى ما وفَّر إليه) ذلك المُعْطِي، بل يُعلم من حاله الكراهة لعدم قبول عطاياه (والله جل وعلا بذلك أولى)؛ لأنه الغني عن كل شيء، وقد ورد بذلك الحديث عنه ÷.

  قلت: ولا يبعد أن يريد الله سبحانه المباحَ لهذا الوجه، لا لِمَا ذكره البلخي من أنه شاغل عن المعصية، ويؤيده ما روي عن النبيء ÷ أنه قال: «إن الله يحب أن تُؤْتَى رخصُه كما يُحب أن تُؤتى عزائمُه»⁣(⁣٢) أو كما قال، والله أعلم.

  إن قيل: فما هذه الإرادة في المباح وفي نعيم أهل الجنة وقد مَنَعْتُم أن تكون الإرادة في حقه تعالى غيرَ المرادِ أو غيرَ العلمِ باشتمال الفعلِ على المصلحة أو المفسدة كما مَرَّ؟

  فالجواب - والله الموفق -: أنها ما ذكرناه؛ لاستحالة التشوق وميل القلب في حقه تعالى، فتكون الأمرُ بالمباح أو الإخبار به وتَبْيِينُ حكمه، وكذلك نعيم أهل الجنة مع


(١) في (ب): «للعطاء».

(٢) رواه الإمام يحيى بن حمزة # في الانتصار والمهدي # في البحر الزخار، والإمام عزالدين بن الحسن # في المعراج، ورواه أحمد في مسنده عن ابن عمر، وابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في سننه، والطبراني في الأوسط عن عائشة والكبير عن ابن عباس، وابن حبان في صحيحه عن ابن عباس وابن عمر، ورواه ابن خزيمة في صحيحه، والشهاب القضاعي في مسنده، وأبو نعيم في الحلية، والروياني في مسنده، وأبو يعلى في مسنده، وابن عساكر في تاريخ دمشق، والخطيب في تاريخ بغداد وغيرهم.