(فصل: «والله سبحانه مريد لجميع أفعاله»)
  نصب القرينة المرجحة للفعل على الترك من عقل أو نقل أو علمه تعالى بِحِكْمِيَّة ذلك الفعل واشتماله على المصلحة - إرادةً له تعالى تَوَسُّعاً ومجازاً، والله أعلم.
  قالت (العدلية) جميعاً: (ولا يريد الله) جل وعلا (المعاصي، خلافاً للمجبرة) فقالوا: يريد كلَّ واقع كما سبق ذكره.
  (قلنا: إرادته) تعالى (لها صفة نقص والله يتعالى عنها).
  ثم نقول: لو كان كذلك للزم أن تكون الأمر بالواقع كالأمر لِلْمَرْمِي من شاهق بالنزول، وأن تكون الأمر بغير الواقع كالأمر بالجمع بين النقيضين والضِّدين وإيجادِ الأجسام(١)، وهكذا القول في النهي، وهذا يبطل الأمر والنهي والمدح والذم، ويسدُّ باب المجازاة بالثواب والعقاب، ويهدم قاعدة الشريعة والعمل عليها، ويؤدي إلى إفحام الرسل وإبطال البعثة، ذكر هذا الإمام يحيى #. وهو حقٌّ، قال: وليس العجب من البُلْهِ وأهل البلادة من المجبرة فلو سكت الجاهل ما اختلف الناس، وإنما العجب كُلُّه من أهل الفطنة والكِيَاسة(٢) منهم؛ حيث قالوا بهذه الأقوال الرَّدِيَّة، ودانوا بمثل هذه المذاهب المنكرة، فَتَبّاً للجبر وسُحقاً لأصحابه، وقُبحاً وتَرَحاً لأتباعه وأربابه كيف أضربوا عن التنزيه صفحاً، وطَوَوْا عن إحراز محاسنه كشحاً(٣)!
  وأما الأدلة النقلية فهي كثيرة:
  (قال الله تعالى: {وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ} [غافر: ٣١]، وقال تعالى: {وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: ٢٠٥]، وقال تعالى: {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}) [الزمر: ٧]، وغير ذلك كثير، كقوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً}[الإسراء: ٣٨]، وقوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ الله مَا أَشْرَكْنَا} إلى قوله
(١) ممن لا يقدر على إيجادها. من (ب). وفي (أ): ممن لا يقدر على الإيجاد. (صح أصل).
(٢) تمكن النفوس من استنباط ما هو أنفع. (معجم وسيط).
(٣) يقال: طوى كشحة عن الأمر أضمره وستره، وطوى عنه كشحة تركه وأعرض عنه. (معجم وسيط).