تنبيه:
  بعلم الرب ({فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ) فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: ١٤٦]، أي: ما ضعفوا عن الاستمساك بدينهم مع ما حصل في أصحابهم من القتل والاستضعاف، بل قاموا في القتال والجهاد مع أنبيائهم أبلغَ قيامٍ بعزيمة صادقة ونية صحيحة؛ لأنهم على بصيرة من دينهم وطمأنينة في(١) أمرهم، فهم بحبل الله مستمسكون، وبدينه معتصمون.
  إذا عرفت ذلك فالاختبار والابتلاء من الله سبحانه مجازٌ عبَّر به عن الامتحان والتمييز، (فَشَبَّهَ) الله (الامتحان؛ لتمييز صادق الإيمان) أي: الراسخ إيمانُه (من المُتلبِّس به) وهو (على حرف) أي: طرف لم يكن إيمانه براسخ (بالاختبار) أي: شَبَّه الله ذلك الامتحان باختبار الجاهل من المخلوقين لمن يريد الوقوف على حقيقة أمره، (فعبَّر الله تعالى عنه) أي: عن الامتحان (بما هو بمعناه) أي: بمعنى الامتحان، وهو الاختبار (من نحو قوله تعالى: {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}) [محمد: ٣١]، أي: نختبركم بالشدائد فيتميز بذلك مَنْ هو ثابتُ الإيمان راسخُ القَدَم فيه عمن هو مُتَلَبِّس به وهو على شفا جُرُفٍ هارٍ بما يظهر من الأعمال عند ذلك، والله سبحانه عالم بذلك قبل ظهوره؛ لِمَا في ذلك من الحكمة، وهو الفرق بين ثابت الإيمان راسخ القَدَم فيه وبين المُتلبِّس(٢) به، ولا يظهر الفرق إلا بالامتحان؛ لأن الله ø لا يُجازي إلاَّ على الأعمال، (لا أنه تعالى اختبرهم) مثلَ (اختبارِ الجاهل) من الخلق لما يؤُول إليه أمرهم؛ لأن الجهل في حقه تعالى مستحيل.
  وكذلك ما كان من نحو هذا، كقوله تعالى في قصة أهل الكهف: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا ..} الآية [الكهف: ١٢]، أي: ليظهر متعلق العلم.
(١) في الأصل: من. وفي (أ، ب): في.
(٢) في (أ): الملتبس.