عدة الأكياس في شرح الأساس لعقائد الاكياس،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): [في الحكمة من خلق الخلق وتكليفهم]

صفحة 349 - الجزء 1

  لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً}) [القصص: ٨]، أي: يكون مآل أمر موسى # عَدُوّاً وحزناً لهم؛ إذ المعلوم أنهم لم يلتقطوه لغرض العداوة والحزن، وإنما التقطوه لغرض التبني والنفع لهم، وذلك كقول الشاعر⁣(⁣١):

  لِدُوا للموت وابْنُوا للخراب ... فكُلُّكُمُ يصيرُ إلى ذهاب

  وقال الزمخشري: هذه اللَّام للتعليل، كقوله⁣(⁣٢): «جئتك لِتُكْرمني» سواءً سواءً، ولكن معنى التعليل فيها واردٌ على طريق المجاز⁣(⁣٣) دون الحقيقة؛ لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عَدُوّاً وحَزَناً، ولكنْ المحبة والتَّبَنِّي، غير أن ذلك لَمَّا كان نتيجةَ التقاطِهم له وثمرتَهُ - شُبِّه بالداعي الذي يفعل الفاعلُ الفعلَ لأجله، قال: وتحريره: أن هذه اللَّام حكمها حكم الأسد [حيث]⁣(⁣٤) استُعيرت لِمَا يشبه التَّعليل، كما يُستعار الأسد لمن يُشبه الأسد.

  قلت: وهذا قول جيد، وفيه معنى التمليح⁣(⁣٥)، كما يقال للبخيل: «ما أكرمك».

  وقال القاسم # في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ ...} الآية: المرادُ هو الذَّرْءُ الثاني، فتكون اللَّامُ على أصلها. ومثله كلام الهادي #، والله أعلم.


(١) الشاعر هو أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، العنزي، أبو إسحاق الشهير بـ «أبي العتاهية»: شاعر مكثر، يعدّ من مقدمي المولدين، من طبقة بشار وأبي نواس وأمثالهما، ولد في عين التمر (١٣٠ هـ) بقرب الكوفة ونشأ في الكوفة، وسكن بغداد، وتوفي (٢١١ هـ) في بغداد. (الأعلام للزركلي باختصار). والبيت مذكور في ديوانه.

(٢) «كقولك». (ش ك).

(٣) استعير التعليل - الذي هو طريق اللام - في ترتب الصداقة والسرور على الالتقاط لترصدهما - وهو العداوة والحزن - عليه بجامع العلة الغائية، أو تنزيل التضاد منزلة التناسب بواسطة تهكم أو تمليح، ثم تبع اللام، والاستعارة فيه أصلية وفي اللام. سيدي الصفي. من هامش (ب).

(٤) من الشرح الكبير.

(٥) التمليح: الإتيان بما فيه ملاحة وظرافة.