(فصل): [في الحكمة من خلق الخلق وتكليفهم]
  وقالت (العدلية: وخَلَقَ اللهُ غيرَ المكلف) أما الجمادات من النَّاميات وغيرها فإنه خلقها جل وعلا (لنفع الحيوان) من بني آدم ومن غيرهم (مُجَرَّداً) خلقها (عن اعتبارٍ لغير العقلاء) كالبهائم وسائرِ ما لا يعقل من الحيوان فإن الله سبحانه خلق الجماد لنفعه من غير اعتبارٍ؛ لأنَّ الاعتبار مختص(١) بالعقلاء؛ ولهذا قال #: (ومعه للعقلاء) أي: وللنفع مع الاعتبار في حق العقلاء من بني آدم وغيرهم.
  (و) خلق الله (سائر الحيوان) وهو كل ما تحلُّه الحياة من كل شيءٍ (غير المكلف؛ ليتفضَّل عليه) بأنواع التفضلات من التلذذ بالمأكول والمشروب ونحو ذلك.
  ويجوز أن يقصد بخلق غير المكلف مع ذلك نفع غيره من المكلفين، وصرَّح كثير من العلماء أنَّها إنما خُلقت لذلك، وهو محمول على ما ذكرنا.
  وذلك النفع: إما دنيوي، كركوب البهائم والحمل عليها والانتفاع بأصوافها وأوبارها وألبانها وجلودها ولحومها وغير ذلك، والقرآن يدل على ذلك، قال تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ٥ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ٦ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوْفٌ رَحِيمٌ ٧}[النحل].
  وإما ديني، وهو الاعتبار في خلقها.
  قيل: وقد يُقصد بخلق بعض المكلفين نفع غيره تبعاً لنفع نفسه بالتفضُّل عليه.
  (وفي كل حيوان اعتبار) أي: وفي خلق كل حيوان اعتبار لمن نظر فيه بعين الاعتبار والتفكر، أي: دليل على الله سبحانه وربوبيته وعدله وحكمته وتوحيده.
  (وإباحةُ الله بعض الحيوان) بالذبح والأكل (لبعض) كما أباح لنا (نحو المذكَّيات) من المواشي وغيرها، (و) كذلك (التَّخلية) بين بعض الحيوان والبعض الآخر - (حسنةٌ) من الله تعالى؛ (لَمَّا كانت لمصالح لها) أي: للمذكَّيات ونحوها
(١) في (ب): «يختص».