(فصل): [في ذكر الروح]
  ثم يُنفخ النفخة الثانية من بعد موت كل شيء وهلاك كل حي ما خلا الواحدَ الفرد الصمد المميت الذي لا يموت، المحيي الذي لا يخشى من شيء فوتاً.
  فلو كانت الأرواح تموت مع موت الأبدان لكان في ذلك فرج وراحة للكفار وغفلة وفرحة للأشرار، ولكان ذلك غماً وكآبةً على المؤمنين ونقصاناً وتضعضعاً لسرور الصالحين، فافهم ثاقبَ حكمةِ الله وتدبيره. انتهى.
  وقال المؤيد بالله #: الروح والهواء جسمان لطيفان، والعقل عَرَضٌ.
  قلت: ويؤيد هذا(١) ما روي عنه ÷: «ما من مؤمن يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيُسلم عليه إلَّا عَرَفَهُ وردَّ عليه»(٢)، وعنه ÷: «الله الله في إخوانكم من أهل القبور فإنَّ أعمالكم تُعرض عليهم»(٣)، وعنه ÷: «تعرض أعمالكم على الموتى فإن رأوا حسنةً فرحوا بها واستبشروا وقالوا: اللهم إنَّ هذه بمنِّك على عبدك فأتمها عليه، وإن رأوا سوءاً قالوا: اللهم راجع به»(٤)، وعنه ÷ أنه قال: «إن الميت ليعرف من يحمله ومن يغسله ومن يُدَلِّيه في حفرته»(٥)، وعنه ÷: «إن الميت إذا وُضع في قبره يسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا»(٦)، وغير ذلك مما يؤدي هذا المعنى كثير، وقد بسطت كلام الأئمة $ في هذا الموضع في الشرح.
(١) قوله: «قلت ..» عائد إلى قول الإمام الهادي #: إن الروح تبقى بعد مفارقة الأجسام. فلا يتوهم أنه عائد إلى كلام الإمام المؤيد بالله #. من هامش (ب).
(٢) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبي هريرة، والخطيب في تاريخ بغداد، ورواه الملا في مرقاته عن ابن عباس ثم قال: صححه عبد الحق، وأفاد ابن كثير في تفسيره أن ابن عبدالبر روى حديث ابن عباس مصححاً له، وغيرهم.
(٣) رواه البيهقي في شعب الإيمان عن النعمان بن بشير، والحاكم في المستدرك وصححه، والدولابي في الكنى والألقاب، وأبو الشيخ في الأمثال، والبخاري في التاريخ الكبير، وغيرهم.
(٤) أخرجه ابن أبي الدنيا في المنامات عن أبي أيوب موقوفاً.
(٥) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد عن أبي سعيد، وأحمد بن حنبل في مسنده، والمتقي الهندي في كنز العمال، والسيوطي في الجامع وعزاه إلى أحمد وابن جرير، وأفاد الهيثمي في مجمع الزوائد أنه رواه أحمد، والطبراني في الأوسط.
(٦) رواه مسلم في صحيحه عن أنس، وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة من جملة خبر.