(فصل:) [في وجوب معرفة أنه لا بد من رسول عقلا]
  تعالى شيء، وإنما عَلِمَ المكلف أنه لا بُدَّ من رسول (لِيُنْبئ) ذلك الرسول، أي: يُخبر العباد (عن الله سبحانه ببيان أداء شكره) تعالى، الذي قد علموا وجوبه جملة بفطرة عقولهم (بما شاء) أي: ليُعلمهم أن يشكروا الله تعالى بما شاء (من الشرائع) التي تأتي بها الرسل À؛ شكراً (على ما مَنَّ) تعالى (به) عليهم (من النعم) السوابغ التي لا تحصى.
  فالنعم من الله سبحانه تفضلٌ محضٌ والشكر عليها واجب بقضيَّة العقل، وتفصيل الشكر كيف هو؟ وما هو؟ لا يُعلم إلَّا بالشرع؛ لأن الله سبحانه لا يُدرك مشافهة فيُخبرهم ببيان شكره من غير واسطة رسول؛ فمِنْ هاهنا عَلِمَ كل مكلفٍ أنه لا بُدَّ من رسول لله سبحانه إلى خلقه؛ تكميلاً للتفضل عليهم بالنعم التي لا تُحصى كما كَمَّل التكليف بالتمكين.
  (و) لأجل (يُميز) سبحانه (بذلك) أي: بإرسال الرسل (من يشكره) بامتثال أوامره والانتهاء عن مناهيه (ممن لا يشكره) بعصيانه وارتكاب مناهيه؛ (إذ قد ثبت أنه تعالى ليس بجسم؛ فامتنع أن يُلْقِى جلَّ وعلا مشافهة) فيُبين لخلقه كيفية شكره بالنطق إليهم من غير واسطة - تعالى عن ذلك - (والحكيم لا يترك ما شأنه كذلك هَمَلا) أي: ما كان شأنه محتاجًا(١) إلى تبيين الشكر وإلى تمييز الشاكر من الجاحد والخبيث من الطيب؛ لأنه يخالف الحكمة والعدل، وقد ثبت أن الله تعالى عدل حكيم. وهذا معنى كلام الهادي # في (البالغ الْمُدرك).
  قلت: وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}[طه ١٣٤] يدل على أن بعثة الرسل أمرٌ متقرر في العقول.
(١) في الأصل و (ب): «يحتاج». وما أثبتناه من (أ).