(فصل:) [في وجوب معرفة أنه لا بد من رسول عقلا]
  منه تعالى، وأما بعد وقوع البعثة فإن المكلف يعلم قطعاً أنها حسنة؛ لكونها لطفاً للمبعوث والمبعوث إليهم.
  قال أبو هاشم: ولا تحسُن البعثة من الله سبحانه وتعالى إلَّا حيث حصل للمبعوث إليه من العلم بألطاف ومصالح في الدين - وهي التكاليف الشرعية - ما لَوْلَاهَا لَمَا علم. وقد تحسُن أيضاً إذا كان الذي يحصل بها يمكن حصوله بغيرها على سواءٍ؛ فإنهما يكونان واجبين على الله تعالى على التخيير، ومتى حسُنت منه تعالى وجبت عليه؛ لاتّحاد وجه الحسن ووجه الوجوب فيهما وهو كونها لطفاً، وقد ثبت أن الألطاف واجبة عليه تعالى.
  قال: ومن لا يُوجب اللّطف على الله تعالى يقول بأنها تحسُن ولا تجب.
  وقال أبو القاسم البلخي: إنها تجوز منه تعالى لمجرد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو كافٍ في حسنها وإن لم يُعلم بها من المصالح أكثر مما عُلِمَ بالعقل.
  وقال أبو علي: إنها تجوز منه تعالى بالزيادِةِ في التكليف من غير أن يُعلم بها ما لولاها لما عُلِمَ، أو لغير زيادةٍ في التكليف، بل لما يحصل من زيادة تنبيهٍ على أمورٍ قد تعلق بها التكليف السابق، أو زيادةِ تحذيرٍ وتأكيدٍ لما في العقول من التكاليف، أو تأكيد لشريعة متقدمة من غير أن يكون قد انطمس شيء من أحكام تلك الشريعة.
  واحتجَّ أبو علي بأن المقصود بالبعثة حصول اللُّطف للمكلفين، وهو حاصل بأحد هذه الوجوه السابقة، وذلك كافٍ في حسنها، بل في وجوبها.
  قالوا: ومعنى كون الشرائع ألطافاً في العقليات: أنَّ فِعْلَ الواجبات الشرعية من نحو الصلاة والصوم وسائر الواجبات الشرعية يكون مُسَهِّلاً لفعل الواجبات العقلية من نحو: رَدِّ الوديعة، وقضاء الدين، وترك الظلم، ونحو ذلك. وأما المندوبات فإنما نُدبت لكونها لطفاً في مندوباتٍ عقلية ومسهِّلةً للواجبات الشرعية وليست لطفاً فيها وإلَّا لَوَجَبَتْ، وأما المكروهات فإنما كُرهت لكون فعلها مُسَهِّلاً للقبائح، وليس فعلُها مفسدةً فيها وإلَّا لقبُحت.