(فصل:) [في وجوب معرفة أنه لا بد من رسول عقلا]
  قال القرشي: وقال أبو علي: وجبت الشرائع؛ لمنعها من القبيح، وقبحت(١) القبائح؛ لمنعها من الواجب.
  قالوا: (و) أما (الشكر) فإنما هو (الاعتراف) بنعمة الْمُنعِم على ضربٍ من الإجلال والتعظيم (فقط) أي: من غير عملٍ، فإذا فعل ذلك فقد شكره، وليست الصلاة ونحوها من هذا الاعتراف في شيءٍ؛ فلا يبقى لها وجه وجوب سوى أنها لطف في واجباتٍ عقلية؛ لأنه قد بان بالعقل أنَّ ما دعا إلى واجبٍ وحثَّ عليه من فعلِ المكلفِ وجب عليه؛ لأنه يجري مجرى الوصلة إليه.
  قالوا: وإذا كانت الشرعيات ألطافاً والعقلُ لا يهتدي إلى تعيين اللطف الذي يجب فعله إلَّا بإيجاب الشارع ما خلا المعرفةَ بالله تعالى كما سبق ذكره وكان الشكر هو الاعتراف فقط - فقد صَحَّ ما قلناه.
  (لنا) حجة عليهم (قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}) [سبأ: ١٣] فنص [الله](٢) سبحانه على أن العمل الذي هو الطاعة شكرٌ له - جل وعلا - على نعمه، (ونحوها) أي: نحو هذه الآية، كقوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُون}[البقرة: ١٥٢].
  (و) لنا أيضاً (إجماعُ أهل اللغة على أنه) أي: الشكر (قولٌ باللسان واعتقادٌ بالجَنَانِ) أي: بالقلب (وعملٌ بالأركان) أي: بالجوارح (في مقابلة النعمة)، قال الشاعر:
  أفادتكُمُ النعماءُ منِّي ثلاثةً ... يدي ولساني والضميرَ المحجبا
  وقال ÷: «الحمدُ رأسُ الشكر»(٣)، والحمد: قولٌ اتّفاقاً.
(١) أي: القبائح الشرعية. من هامش (أ).
(٢) ساقط من الأصل و (أ)، وثابت في (ب).
(٣) رواه عبدالرزاق في مصنفه، ومعمر بن راشد في جامعه، والبغوي في شرح السنة، والبيهقي في شعب الإيمان.