(باب الهجرة)
  دار كفرٍ؛ إذ لم تظهر فيها الشهادتان والصلاة من المسلمين إلَّا بجوارٍ من المشركين، وظهر فيها الكفر من المشركين بغير جوارٍ، وكانت المدينة بعد الهجرة دار إسلام إذ كانت بالعكس مما ذُكر في مكة.
  وأما دار الفسق فهي ثابتة عند الجمهور، وهي ما ظهر فيها العصيان من غير إمكان نكير.
  وقيل: لا عبرة بإمكان النكير فإنه إذا ظهر الفسق من غير نكير ولو كان يمكن النكير كانت دار فسق. وبهذا صرح جعفر بن مبشر.
  قلت: إن كان يمكن النكير ويحصل التأثير له لم تكن دار فسق، وإن لم يحصل التأثير فهي دار فسق وتجب الهجرة؛ لأن النكير وعدمه حينئذٍ سواءٌ، والله أعلم.
  وقيل: إنما تكون الدارُ دار فسق إذا كان ذلك الفسق من جهة الاعتقاد كدار الخوارج والبُغاة على الأئمة، ولا عبرة بفسق الجارحة، وعُلِّل ذلك بأنّ للبُغاة أحكاماً مخصوصة فيجب أن تُعتبر لهم دارٌ منفردةً، كما في دار الكفر والإسلام.
  وقال المؤيد بالله #: لا دار للفسق مطلقاً؛ إذ لا حكم يُستفاد منها لساكنها(١).
  قلنا: تحريم الموالاة حُكْمٌ يُستفاد منها، وكذلك وجوب المعاداة، وَرَدُّ الشهادة وتحريم الصلاة على موتى أهلها، وتحريم غسلهم، ونحو ذلك.
  قال (أئمتنا $: وهي) أي: الهجرة من دار العصيان (واجبة بعد الفتح) أي: فتح مكة، ووجوبها باقٍ إلى انقطاع التكليف؛ لوجود علَّة الوجوب، وهي العصيان.
  (وقيل: قد نُسِخَت بقوله ÷: «لا هجرة بعد الفتح»(٢)).
  وحكى في البحر هذا القول عن المؤيد بالله #.
(١) في (أ) زيادة: «لمثل ذلك».
(٢) رواه الإمام المؤيد بالله # في شرح التجريد، ورواه الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان # في أصول الأحكام، ورواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس ومسلم في صحيحه عن عائشة، والترمذي في سننه عن ابن عباس، والحاكم في المستدرك عن أبي سعيد، وأحمد بن حنبل في مسنده، والدارمي في سننه عن ابن عباس وغيرهم.