(فصل:) [والثواب والعقاب مستحقان عقلا وسمعا]
  وروى البخاري أيضاً بإسناده إلى عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي ÷ أنه قال: «من قَتَلَ معاهداً لم يُرِحْ رائحة الجنة، وأن ريحها ليوجد(١) من مسيرة أربعين عاماً»(٢).
  قال الإمام المهدي #: وللمخالفين شُبَهٌ عقلية وسمعية، أما العقلية فقال جهم: لا شك أن المعصية متناهية فكيف يستحق على المتناهي عقابًا لا يتناهى وقد قال تعالى: {فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} وغير المتناهي ليس مثلاً للمتناهي؟
  قلنا: المعصية مستلذةٌ والعقاب منفورٌ عنه مؤلمٌ، والمعصية قبيحةٌ وجزاؤها حسن فليس المعصية والعقاب مِثْلَيْنِ من هذه الجهة التي توهمها جهم، وإنما المراد بالمثلية تجانس اللفظين لنوع من الفصاحة، والمراد: من عمل سيئةً فلا يُجزى إلَّا العقاب، فالمعصية سببٌ في وقوع العذاب وعلة فيه، وإذا كان كذلك فما المانع من أن تكون علة في دوامه، كما كانت علة في دوام الذم؟ ويمكن أن يُراد بالمماثلة المعادلة أي: لا يُجزى إلَّا عدلها - بكسر العين - أي: ما يعادلها، وهو العذاب الدائم؛ لأن عصيان المالك المنعم يعظُم في القليل كما يعظُم في الكثير فلا يعادله إلَّا دوام العقاب، يدل على ذلك في الشاهد قطع يد السارق التي ديتها خمسمائة مثقال في عشرة دراهم قفلة.
  وقال المرتضى # في جواب من سأله عن التخليد بالنار على ذنبٍ واحدٍ من كلام طويل ما لفظه: وقد أنصف الله ø خلقه وعَدَلَ بينهم في حكمه، أولا ترى لو أن رجلاً عصى الله طول عمره ثم تاب وأخلص ورجع في صحة من بدنه [من(٣)] قبل نزول الموت به أن تلك الذنوب جميعاً تُحَطُّ عنه وتُغفر له
(١) في الأصل و (ب): يوجد. وما أثبتناه من (أ).
(٢) رواه البخاري في صحيحه، وابن ماجه في سننه، والبيهقي في سننه، وروى نحوه الطبراني في الكبير عن أبي هريرة، والأوسط عن أبي بكرة، والحاكم في مستدركه، والنسائي في سننه، وأبو داود في سننه، وأحمد في مسنده، والدارمي في سننه، وابن حبان في صحيحه، والطيالسي في مسنده، والبغوي في شرح السنة، والبزار في مسنده، وابن الجارود في المنتقى، وغيرهم.
(٣) في الأصل و (ب): ومن. وفي (أ): من.