وكتب أهل البيت مشحونة به واحتج المثبتون بقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}⁣[النساء: ٥٩]. بأن ظاهر الرد يفيد القياس لاَ الإستدلال بالنصوص لأن الاستدلال بالنصوص قد دخل تحت قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}⁣[المائدة: ٩٢]. وبقوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}⁣[النساء: ٨٣]. والاستنباط هو القياس والاجتهاد وكذلك التدبر في قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}⁣[محمد: ٢٤]. ومن جملة التدبر في معاني القرآن النظر في الأحكام الشرعية وعِلَلِها وأظهر فوائد ذلك إلحاق النظير بالنظير، وقال تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ ٢}⁣[الحشر: ٢]. فإن الاعتبار رد الشيء إلى نظيره بأن يحكم عليه بحكمه، وأُجِيب عن الآية الأولى على أن المراد فَحَكِّمُوْهُمَا - كقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}⁣[الشورى: ١٠]. وعلى أن الخطاب للموجودين في زمن النبي ÷ لا المعدومين حتى يقال: لا يمكن التحكيم فيما لا نص فيه إلا بالقياس كما توهم، وأيضًا المراد بِرُدُّوْهُ إِلىَ اللَّهِ: ردوا علمه إلى الله كما كانوا يقولون الله ورسوله أعلم، وصرح بذلك في تفسير الكواشي⁣^(⁣١) وغيره وذلك عكس مطلوب المستدل، وعن الآية الثانية: أن المراد الاستنباط للأحكام الشرعية من الكتاب والسنة لا القياس، وعن الثالثة: المراد بالتدبر: تدبر معانيه وفهمها لا القياس، وعن الرابعة: المراد بالاعتبار الاتعاظ ومعنى فاعتبروا: فاتعظوا، واحتجوا من السنة: بقوله ÷ لابن مسعود: «اقض بينهما بالكتاب والسنة؛ فإن لم تجد الحكم فيهما فاجتهد برأيك»⁣^(⁣٢) وخبر عمر في قبلة الصائم، وخبر الخثعمية في الحج عن الأب، سيأتي إن شاء الله تعالى، وما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن عدي والطبراني والبيهقي من حديث الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة قال حدثنا ناسٌ من أصحاب معاذ عن معاذ قال لما بعثه رسول الله ÷ إلى اليمن قال: «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضى بكتاب الله. قال: فإن لم تجد في كتاب

(١) لأحمد بن يوسف بن الحسن بن رافع الموصلي أبو العباس الكواشي، شافعي، عالم (ت ٦٨٠ هـ)، أعلام الزركلي ١/ ٢٧٤.

(٢) لم أجده.