فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

القياس ليس في جميع الأحكام

صفحة 148 - الجزء 1

  وجوبها كذلك من جهة العقل حتى يقع القياس لها على غيرها، وَأمَّا الثاني فلا تصح، إذ فيها مالا يعقل معناه وقد أشار إليه الناظم بقوله:

  ٢٢٦ - لأنَّ فِيْ الأحكامِ مَا لَا يُعْقَلُ ... معناهُ فالتعليلُ ليس يُقبلُ

  قال ابن عبد السلام:(⁣١) في الأحكام ما عرفنا حكمته، وفيها مالا نعرف كما في الأوقات وأعداد الركعات والسجدات ومقادير نُصُبِ الزكوات ومقادير الديات وأروش الجنايات والكفارات والزكوات وتعيين لفظ التكبير في إحرام الصلوات عند الشافعي، ولفظ الشهادة في أداء الشهادات وتقدير الحدود وكذا العدد مع القطع ببراءة الأرحام وتحريم نكاح بعض الأقارب وكذا عرفة ومزدلفة ورمي الجمار وتوقيت الوقوف بعرفة وتقدير مواقيت الإحرام وكذا مسح الخفاف والعصايب والعمائم والجباير وأن الحدث لم يؤثر فيها وكذا الوضوء والغسل فإن أسبابهما لا يناسبهما بل هي شبيهة بالأوقات، وكذا بدلهما بالتراب وكذا وجوب الوضوء بلمس النساء ومس الفروج والغسل من خروج المني، ويجوز أن تكون هذه الأحكام كلها لا مصالح فيها ظاهرة ولا باطنة سوى مجرد الثواب على الطاعة والامتثال انتهى كلامه.

  قلت: وكذا انحصار حِل النكاح في أربع والطلاق في ثلاث وسمي مالا يعقل معناه الخارج عن القياس، وهذا يعبرُ عنه بالتعبد وهو القسم الأول مما عدل به عن سنن القياس، قال الإمام الغزالي وهذه عقدة عامة المدرك قد ضل فيها كثير من الناس عن سواء السبيل، وسيأتي تحقيقه بأقسامه الثلاثة قريبًا إن شاء الله، وأنه من أكثر المهمات في مباحث الأصول والقياس خصوصًا، قوله:

  ٢٢٧ - وَأَنَّهُ يَكْفِيْ بِلَاَ تَطْوِيْلِ ... إِثْبَاتُ حُكْمِ الأَصلِ بِالدَّلِيْل

  ٢٢٨ - وَلَوْ يَكُوْنُ غَيْرَ مُجْمَعٍ عَلَى ... ثُبوتِهِ فَاحرِصْ عَلَى مَا نُقِلَا

  اعلم أنه يكفي في إثبات القياس، إثبات حكم الأصل المقيس عليه بالدليل من الكتاب والسنة قولًا وفعلًا، أو تركًا أو تقريرًا، قطعيًا كان أو أمارة، ولا يشترط في إثباته إتفاق الأمة أو العترة أو الخصمين بل للقائس أن يثبته بما تقدم ثم يثبت العلة، بمسلك من مسالكها الآتية إن شاء الله.


(١) هو العلامة: العز بن عبدالسلام الفقيه الشافعي الشهير ت/ ٦٦٠ هـ.