فصل في القياس ماهيته وأقسامه وأركانه
  لَقَدْ خَصَّصَ الرَّحَمَنُ حَقًا جماعةً ... بِذَبْحِ عنَاقٍ في الْضَّحِيْةِ يُقبَلُ
  أَبُوْ بُرْدَةٍ مِنْهُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ... كَذَا عُقْبَةٌ نَجْلٌ لِعَامِرَ يُنقلُ
  والشرط الثالث: أن لا يكون ثابتًا بقياس آخر، قاله الجمهور: لأنها إن إتحدت العلة الجامعة بين القياسين اللذين أحدهما إثبات المطلوب، كقياس السفرجل على التفاح بجامع الطعم، والآخر إثبات أصله، كقياس التفاح على البر بجامع الطعم، انتفت الفائدة، لأن ذكر الوسط، أعني ما هو أصل(١) في قياس وفرع في آخر: ضائع، لإمكان طرحه من الوسط، ويقاس المطلوب على ما جعل أصلًا له، مثاله: قياس السفرجل على التفاح في الربوية بجامع الطعم، فهذا هو القياس المطلوب، فالأصل التفاح والفرع السفرجل، والعلة الطعم، والحكم تحريم بيعه متفاضلًا فتمتنع ربوية التفاح فتلحقه بالبر، فتجعل البر أصلًا والتفاح فرعًا والعلة الطعم، والحكم التحريم، فالعلة حينئذ متحدة في القياس الأول المطلوب وهو قياس السفرجل على التفاح الذي جعلناه أصلًا فيه والعلة أيضًا متحدة في القياس الثاني الذي جعلناه فرعًا فيه، فإنه حينئذٍ يضيع ذكر التفاح لإمكان إلحاق السفرجل بالبر من دونه وإن تعددت العلة في القياسين، وقد عرفت معناهما، فإنه يفسد القياس، مثاله: لو قيس الجذام على الرَّتَق في فسخ النكاح به بجامع كونه عيبًا، يفسخ به النكاح والأصل هو الرَّتَقُ والفرع الجذام والجامع العيب فيمنع أن النكاح يفسخ بالرَّتَقِ، فيقاس على الجَبِّ بجامع فوات الاستمتاع: ففوات الاستمتاع هو الذي يثبت لأجله الحكم في الرَّتَقِ وهو غير موجود في الجذام، والوصف الثابت في الجذام لم يثبت اعتباره وأجازت الحنابلة القياس على المقيس، ومنعوا لزوم المساواة في العلة لجواز أن يثبت الحكم في الأصل بعلة وفي الفرع بأخرى كما يجوز أن يعلم ثبوته في الفرع، بدليل هو القياس وفي الأصل بدليل آخر، كالنص مثلًا ورد قولهم بالفرق بين العلة والدليل بأنه يلزم من عدم المساواة في العلة امتناع تعدي الحكم من الأصل إلى الفرع وانتفاء القياس بالكلية بخلاف اختلاف الدليل والله أعلم، وَأمَّا الشرطان اللذان لم يذكرا في المنظومة فالأول: كونه شرعيًّا ولا حاجة إليه لأن الكلام في الشرعيات، والثاني اشتراط موافقة الخصم على علية الأصل ووجودها فيه، ولا حاجة إليه، لأن المراد إثبات حكم الأصل بالدليل سواء اتفق الخصمان عليه أمْ لا، وسواء اتفقا على علية الحكم أم
(١) كالتفاح مثلًا تمت مؤلف.