فصل في القياس ماهيته وأقسامه وأركانه
  بالاستدلال، فمن جهة كونها تدل على الترتيب جعلت من أقسام ما يدل بوضعه، ومن جهة احتياج ثبوت العلة إلى النظر جعلت استدلالية لا وضعية صرفة، فكان ما دخله الفاء مرتبته دون ما تقدمها، هذا إذا كان واردًا على لسان الشارع ÷ من الكتاب والسنة، ثم ما دخلت عليه الفاء في لفظ الراوي نحو: سها فسجد وَهِيَ أضعف الأقسام لاحتمال غلط الراوي(١) أو كونه غير عارف بمدلول الألفاظ ولكنه لا ينفي الظهور فكان مرتبته دون ما قبله.
  ثم أشار الناظم إلى القسم الثاني من النص وهو غير الصريح بقوله: وغيره ... إلخ: وهو الذي يدل باللزوم فقط ويفهم مِنْهُ التعليل لا على وجه التصريح ويسمى تنبيهَ النص بالعلة، وإيماؤه إليها، وجعله بعضهم مسلكًا مستقلًا نظرًا إلى أن دلالته ليست بحسب الوضع وهو أنواع، أشار الناظم إليها بقوله:
  ٢٦٢ - وَهْوَ بِحَسْبِ وَصْفهِ أَقْسَامُ ... يَأْتِيْ كَمَا حقَّقَهُ الأَعْلَامُ
  ٢٦٣ - أَوَّلُهَا أنْ يُقْرَنَ الحكمُ بِمَا ... يكونُ وصفًا كاشِفًا قَدْ عُلِمَا
  ٢٦٤ - لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ للتَّعْلِيْلِ ... كانَ بَعِيْدًا فاستمعْ لِقَوْلِيْ
  أشار الناظم إلى بيان القسم الأول، والضمير في كان عائد إلى الاقتران الذي دل عليه لفظ يُقرَن، والمعنى: أن يقترن حكم بوصف لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان ذلك الاقتران بعيدًا وقوعه من الشارع لفصاحته وإثباته بالألفاظ على مواقعها مثل قوله ÷: «إعتق رقبة» جوابًا للأعرابي الذي قال: له هلكتُ وأهلكت، فقال: ما صنعت؟ قال: جامعت أهلي في نهار رمضان، أو واقعت، أخرجه الستة بالمعنى(٢)، وهذا مثال كون الوصف للتعليل فيدل بالإلتزام، ويستفاد مِنْهُ كون الجماع علة للإعتاق؛ لأن إيراد الأمر به في معرض الجواب يجعله من معنى (واقعتَ فَكَفِّرْ) وإن كان دونه في الظهور لتقدير الفاء وإلاَّ لَزِمَ إخلاء السؤال عن الجواب وتأخير البيان عن وقت الحاجة وهو لا يجوز، ومن ذلك قوله ÷ لابن مسعود، وقد توضأ بماء نبذت فيه تمرات لتجتذب ملوحته: «تمرة طيبة وماء طَهُوْرٌ» أخرجه الترمذي
(١) أي: غلط الرواي في الفهم
(٢) البخاري ٢/ ٦٨٤ رقم (١٨٣٤)، ومسلم ٢/ ٧٨١ رقم (٨١، ١١١١)، والترمذي ٣/ ١٠٢ رقم (٧٢٤)، والنسائي في السنن الصغرى ٣/ ٢٥٧ رقم (١٠٦٢) وفي السنن الكبرى ٤/ ٢٢٢، وأبو داود ١/ ٧٢٧ رقم (٢٣٩٠)، وابن ماجة ١/ ٥٣٤ رقم (١٦٧١).