فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

فصل في القياس ماهيته وأقسامه وأركانه

صفحة 166 - الجزء 1

  يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}⁣[المائدة: ٨٩]. فتفريقه بين عدم المؤاخذة بالأيمان وبين المؤاخذة بها عند تعقيدها لو لم يكن لعلية التعقيد لكان بعيدًا، وإما بصيغة شرط مثل «إِذا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الَأجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ»، فالتفريق بين منع البيع في هذه الأشياء متفاضلًا وبين جوازه عند اختلاف الجنس لو لم يكن لعلية الاختلاف للجواز لكان بعيدًا، ووجه استفادة العلة من ذلك كله: أن التفرقة لابد لها من فائدة والأصل عدم غير المدعى وهو إفادة علية ذلك الوصف، قوله:

  ٢٦٩ - هَذا وَمِنْهُ كُلُّ وصفٍ ذُكِرَا ... مُنَاسِبًا مَعْ حُكْمِهِ مُعْتَبَرا

  ٢٧٠ - أو ذُكِرَ الوصفُ بِدونِ الحُكْمِ ... أَوْ عَكْسُهُ فكنْ لَهُ ذَا فَهْم

  أي ومن غير الصريح كل وصف مناسب ذكر مع حكمه مثل قوله ÷: «لَاَ يَقْضِيْ القاضي وهو غضبان»⁣(⁣١) فإنه نبه على العلة وهو الغضب لِشُغْلِهِ القلب وتشويشه للنظر لعدم جواز القضاء، ومثل: أكرم العلماء وأهن الجهلاء، هذا إذا ذكر الحكم مع الوصف كما ذكرنا فإن لم يذكر إلا أحدهما كما أشار إليه الناظم بقوله: أو ذُكِرَ الوصفُ ... إلخ: يعني أو ذكر الوصف والحكم مستنبط مثل {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}⁣[البقرة: ٢٧٥] فإن حل البيع وصف له قد ذكر فعلم مِنْهُ حكمه وهو الصحة أو عكسه أي يذكر الحكم والوصف مستنبط مثل حرمت الخمر، ومِنْهُ أكثر العلل المستنبطة، قوله:

  ٢٧١ - والنَّهيُ عَنْ فِعْلٍ بِوَقْتٍ عُيِّنَا ... بَعْدَ وُجُوبٍ سابقِ لَمْ يُمكِنَا

  أي ومن غير الصريح: النهي عن فعل في وقت معين قد وجب علينا فيه سابقًا ما ينافي ذلك الفعل وهو المراد بقوله: لم يُمْكِنَا: والألف فيه للإطلاق إذ يشعر بأن علة التحريم كونه مانعًا من الواجب كقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}⁣[الجمعة: ٩]. فالنهي عن البيع بعد الأمر بالسعي منبه على أن العلة في التحريم للبيع حينئذ كونه مانعًا من الواجب، قوله:


(١) أصول الأحكام برقم (٤٣٢٢) ومجموع الإمام زيد ٢٠٤ رقم (٣٩٤)، والتجريد ٦/ ١٢٠، والبيهقي ٨/ ٤٣٢ رقم (٣٢٦٧)، وأبو داود ٣/ ٣٣٠ رقم (٣٥٩١، ٢٣١٦)، والبخاري ٦/ ٢٦١٦ رقم (٢٣١٦)، والدارقطني ٤/ ٢٠٦، وأحمد ٧/ ٣٠٥ رقم (٢٠٤٠).