فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

دلالة الإشارة

صفحة 205 - الجزء 1

  شرعًا، ومِنْهُ قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]، أي فأفطَرَ، فحذفه لمَّا كان الكلام لا يكون تامًا إلا به، وهذا من باب حذف المسبب لدلالة السبب عليه، وسمي هذا دلالة اقتضاء كما تقدم؛ لأن الحاجة إلى صون الكلام عن كذبه وفساده العقلي أو الشرعي اقتضت ذلك المقدر، فهو في حكم المنطوق، وإن كان محذوفًا. ثم أشار إلى الثاني بقوله:

  ٣٨٤ - أو كانَ مَقْصُودًا ولم يتوقَّفِ ... الصَّدْقُ والصحةُ فيهِ فَاعرف

  ٣٨٥ - لكنهُ مقترنٌ بِحُكْمِ ... لو لم يَكُ اقترانُهُ في الفَهْم

  ٣٨٦ - جاءَ لتعليلٍ غَدَا بَعيدَا ... لَا زِلْتَ عَالِماَ بهِ رشِيدَا

  يعني أو قُصِدَ ذلك اللازم، ولكن لم يتوقف الصدق والصحة فيه: أي عليه ففي هنا بمعنى على، واقترن ذلك اللفظ الملزوم لِلَازِمِهِ المعروض كونه مقصودًا للمتكلم بحكم لو لم يكن اقترانه جاء للتعليل لكان بعيدًا وقوعه من الشارع، وهذا هو المسمى تنبيه النص، وقد سبق في طُرقِ العلة المتقدمة، ويسمى أيضًا إيماءً؛ لأنه يفهم مِنْهُ التعليل من دون تصريح، يقال: نبه عليه وأومى، ومثاله أيضًا: قوله ÷: «لا تقربوه طيبًا فإنه يحشر يوم القيامة ملبيًّا»⁣(⁣١)، فاللازم وهو الفعل هنا مقصود ولم يتوقف صدق اللفظ ولا صحته عقلًا أو شرعًا عليه: أي على الفعل المذكور، ولكن اقترن اللفظ بحكم وهو لا تقربوه طيبًا في المثال لو لم يكن ذلك اللفظ الذي هو، فإنه يحشر في المثال علة لذلك الحكم، أعني لا تقربوه طيبًا، لكان ذكر ذلك الحكم بعيدًا، ومثله قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا ...}⁣[المائدة: ٣٨]، فإنه اقترن اللفظ وهو السارق والسارقة ... إلخ بحكم، وهو قوله: {فَاقْطَعُوا} لو لم يكن ذلك اللفظ، وهو السارق للتعليل لكان بعيدًا. ثم أشار إلى الثالث بقوله:

دلالة الإشارة

  ٣٨٧ - أو كان لَا يقصُد فالإِشَارَهْ ... وهو الذي يُغني عَنِ العِبَارَهْ


(١) التجريد ٢/ ١٠١، وأصول الأحكام ١/ ٤٠٣ رقم (١٣٠٦)، والشفاء ٢/ ١١٩٥، والبخاري رقم (١٢٠٨)، ومسلم ٢/ ٨٦٥ ورقم (١٢٠٦)، والنسائي ٥/ ١٤٤ رقم (٧١٣)، والبيهقي ٣/ ٣٩٠، والترمذي ٣/ ٣٨٦ رقم (٩٥١)، والطبراني في الكبير ١١/ ٤٣٦ رقم (١٢٢٣٩).