دلالة الإشارة
  ٣٨٨ - كمثلِ تقديرِ أَقَلِّ الحَمْلِ ... بالسِتَّةِ الأشْهُرِ فافهمْ قَوْلِيْ
  أي وإن لم يقصد ذلك اللازم، فهي المسمى بدلالة الإشارة، وأمثلته كثيرة، مِنْهُا: ورود كلام الحكيم بمدة مضروبة لأمرين، ثم ترد بعد ذلك بقدر من تلك المدة لأحدهما، فإنها تدل على أن باقي المدة للأمر الآخر، مثاله: ما أشار إليه الناظم بمقدار مدة الحمل، أعني قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف: ١٥] مع قوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}[لقمان: ١٤]، فإنه يعلم مِنْهُما أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وليس مقصودًا في الآيتين، بل المقصود في الآية الأولى: بيان حق الوالدة، وما تقاسيه من التعب والمشقة في الحمل، والفصال، وفي الثانية بيان مدة الفصال، ولكن لزم مِنْهُ ذلك كما ترى روي أن أول من استنبط ذلك أمير المؤمنين ~، وقيل ابن عباس. ومِنْهُا: ورود الكلام بحدوث شيء في وقت له اسم غير الاسم السابق، فيعلم أن المسمى بالاسم الثاني هو الأول أو بعضه، مثاله: قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}[البقرة: ١٨٥]، مع قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ١}[القدر: ١]، أحد ليالي رمضان، إذ لا يكون كله، روي هذا الاستنباط عن ابن مسعود، ومِنْهُا: قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[الأحزاب: ٤٩]، فإنها تدل على أن العدة حق للزوج، فتسقط النفقة بنشوزها، ومِنْهُا: قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ...} الآية [البقرة: ١٨٧]، فإنها تدل على جواز إصباح الصائم جنبًا، وعدم فساد الصوم، ولم يقصد ذلك في الآيتين، وكقوله ÷: «النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ»، فلما قيل له ÷: وما نقصان دينهن؟ قال: «تَمْكُثُ إِحْدَاهُنَّ شَطْرَ دَهْرِهَا لَا تُصَلِّي، وَأَمَّا نُقْصَانُ عَقْلِهِنَّ فَلِأَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ بِرَجُلٍ»(١)، فإنه ÷ لم يقصد بيان أكثر الحيض، ولا أقل الطهر، ولكن المبالغة في نقصان دينهن التي قصدها ÷ تقتضي ذلك، أي أن يكون أكثر الحيض نصف عمر المرأة، وأقل الطهر كذلك، فاللفظ لا يدل على ذلك لا بصريحه، ولا باقتضائه، ولا بإيمائه، وإنما يشير
(١) أصول الأحكام ١/ ٦٠ رقم (١٩٩)، والبخاري رقم (٢٩٣) باب ترك الحائض الصوم ٥/ ٣٠٥ رقم (١٣٦٩)، ومسلم ١/ ٢٢٥ رقم (١١٤)، والترمذي ٩/ ١٩٧ رقم (٢٥٣٨)، وأبي داود ١٢/ ٢٨٩ رقم (٤٠٥٩)، وابن ماجة ١٢/ ٦ رقم (٣٩٩٣)، والمستدرك برقم (٨٩٣٦)، وأحمد ١١/ ١٢٧ رقم (٥٠٩١)، والبيهقي ٤/ ٣٣٦ رقم (١٥٢٩).