فصل في الحقيقة والمجاز
  عبارة عن الجنس الذي يطلب ما يميز الشيء عن مشاركاته فيه(١)، فإنا لا نسأل عن الفصل إلا بعد أن نعلم أن للشيء جنسًا بناء على أن ما لا جنس له لا فصل له، أو أنه لم يتيقن وجوده، والتعريف إنما هو لفصل تيقنَ وجوده، فإذا علمنا الشيء بالجنس طلبنا ما يميزه عن مشاركاته في ذلك الجنس، فنقول: الإنسان، أَيْ، أَيُّ حيوان هو في ذاته؟ فيتعين الجواب بالناطق، وهو إما أن يكون مميزًا عن المشاركات في الجنس القريب فقريبٌ كالناطق بالنسبة إلى الإنسان، فإنه يميزه عن المشاركات في الحيوان، وهو جنس قريب، وإما أن يكون مميزًا عن المشاركات في الجنس البعيد فبعيد، كالحساس بالنسبة أيضًا إلى الإنسان، فإنه يميزه عن المشاركات في الجسم النامي الذي هو جنس بعيد له(٢).
  واعلم أن الفصل له نسبة إلى الماهية التي هو فصل مميز لها، وله نسبة إِلَى الْجِنْسِ الذي يميز ذلك الفصلُ الماهيةَ من بين أفراده، أي أفراد ذلك الجنس، وله بكل اعتبار اسم، فهو بالاعتبار الأول يسمى مُقَوِّمًا؛ لأنه جزء داخل في قوام الماهية، ومحصل لها، وبالاعتبار الثاني يسمى مُقَسِّمًا؛ لأنه بانضمامه إِلَى الْجِنْسِ وجودًا يُحَصٍّلُ قسمًا وَعَدَمًا يُحَصِّل قسمًا آخر كالناطق، فإنه داخل في قوام الإنسان، وَمُقَسِّمٌ للحيوان إلى الناطق وغير الناطق، وكل فصل مُقَوِّمٌ للنوع العالي مقوم للنوع السافل؛ لأن فَصْلَ العالي جزء له، والعالي جزء للسافل، وجزء الجزء جُزْءٌ؛ مثلًا: القابل للأبعاد، أعني الطول والعرض، والعمق، مقوم للجسم الذي هو النوع العالي، وهو مقوم للإنسان الذي هو النوع السافل؛ لأن الجسم جزء للإنسان، فكذا ما يكون جزءاً للجسم يكون جزءاً للإنسان؛ لأن جزءاً الجزء جزءٌ، فافهم، وليس كل مقوم للسافل مُقوماً للعالي، فإن الناطق مقوم للنوع السافل الذي هو الإنسان، وليس مقومًا للعالي الذي هو الحيوان مثلًا، وكل فصل مقسم للجنس السافل مُقسِّم، للعالي، وليس كل مقسم للعالي مقسمًا للسافل، فإن الحساس مثلًا مقسم للعالي، وهو الجسم النامي، وليس مقسمًا للسافل الذي هو الحيوان، فلا يقال: مثلًا: الحيوان ينقسم إلى حساس وغير حساس، وما ذكرناه هنا من التقسيم هو باصطلاح المناطقة؛ والأصوليون يعكسون ذلك فيجعلون المندرج تحت شيء كالإنسان مثلًا يندرج تحت الحيوان جنسًا، والحيوان نوعًا ومن هاهنا يقال: للاتفاق في الحقيقة: تجانس، وللاختلاف فيها: تنوع، والأول أنسب لقواعد المعقول، قوله:
(١) أي في الجنس تمت مؤلف ص ١٦١ (خ).
(٢) أي للانسان تمت مؤلف ص ١٦١ (خ)