فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

فصل في الأمر والنهي

صفحة 244 - الجزء 1

  لم يتم إلا به، فأما إذا ورد الأمر بواجب مقيدًا بمقدمة لم تكن تلك المقدمة واجبة كأن تقول: إن مَلَكْتَ النصابَ فزكِّ، وإن استطعت فحج فلا يجب عليه تحصيل المأمور به إلَّا عند حصول ذلك القيد، وهذا معنى ما يقال: في الفروع: تحصيل شرط الواجب ليجب لا يجب، والله أعلم، قوله:

  ٤٧٣ - والأمرُ لَا يَكونُ نَهيًا يَا فَتَى ... عَنْ ضِدِّهِ ومثلَهُ العَكْسُ أَتَى

  واعلم أنه وقع الخلاف: هل الأمر بالشيء المعين نهيٌ عن ضده أَوْلا؟ والخلاف في الشيء المعين إذا أمر به، فإذا قال: تحرك فهل هو بمثابة لا تسكن، فقال الأشعري والباقلاني في قديم قوله: إنه نهي عن الضد، محتجين بأن فعل السكون مثلًا عدم تلك الحركة إذِ البقاء في الحيز الأول هو بِعينهِ عدم الانتقال إلى الحيز الثاني، وَرُدَّ برجوع النزاع لفظيًّا في تسمية فعل السكون تركًا للضد الذي هو الحركة وطلبه نهيًا عنه، وكان طريق ثبوته النقل، واختار المؤيد بالله⁣(⁣١) وصاحب الفصول والقاضي عبد الجبار⁣(⁣٢) وأبو الحسين البصري⁣(⁣٣) والرازي والآمدي أنه: ليس نهيًا عن ضده؛ فلا يكون عينه، إذ ليس مدلول الأمر مدلوله، ولا يتضمِنْهُ، إذ ليس بعض مدلوله، ولكنه يستلزمه، محتجين بأنه لا يتم الواجب والمندوب إلا بترك أضداده؛ لأن الضد الذي هو محل النزاع: هو ما يمنع من فعل المأمور به، وإن لم يستلزم الأمر بالشيء النهي عما يمنع من فعله، فلا أقل من التخيير في فعل المانع وتركه على السوى، وَأنَّهُ يرفع تحتم المأمور به ورجحانه، وهو باطل، وما أدى إلى الباطل فهو باطل، فثبت أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده، وهو المطلوب وأشار بقوله: ومثله العكس: أي أن النهي لا يكون أمرًا بضده لاستلزامه أن يكون الزنا واجبًا من حيث هو ترك لواطةٍ؛ لأنه ضده؛ أو بالعكس، فتكون اللواطة واجبة من حيث هي ترك الزنا، وبطلان ذلك معلوم ضرورة. ومن فوائد الخلاف في هذه المسألة أنه هل يستحق العقاب بترك المأمور به فقط؟ في الأمر؛؟ وبفعل المِنْهُي عنه فقط في النهي؟ وبهما مع عقاب ارتكاب


(١) المؤيد بالله: هو الإمام أبو الحسين أحمد بن الحسين الهاروني أحد عظماء الإسلام في الجيل والديلم، له مصنفات عدة، توفي سنة ٤٢١ هـ، مطلع البدور ١/ ٤٧٣.

(٢) القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن خليل أبو الحسن الهمذاني المشهور بقاضي القضاة شيخ المعتزلة، مات سنة ٤١٥ هـ، سيرة أعلام النبلاء ١٧/ ٢٤٤.

(٣) أبو الحسين البصري: محمد بن علي الطبيب البصري، معتزلي (ت ٤٣٦ هـ)، أعلام الزركلي ٦/ ٢٧٥.