فصل في النهي
  إلا بكراهة الناهي للمِنْهُي عنه، قوله:
  ٤٧٦ - وَيقْتَضِيْ مُطْلَقُهُ الدَّوَامَا ... كَقَوْلِهمْ لَا تَقْرَبنْ حَرَامَا
  اعلم أن النهي: ينقسم إلى مطلق، ومقيد، فالمطلق مِنْهُ يقتضي الدوام لغة وشرعًا، أعني دوام الانتهاء؛ لأن النهي عن وجود الفعل يقتضي سالبة كلية، والأمر بوجود الفعل يقتضي نقيضها، ونقيض السلب الكلي الإيجاب الجزئي، وهذا عند أئمتنا والجمهور، إِلَّا لقرينة تصرفهُ عن ذلك؛ كقول الطبيب للمريض: لا تأكل اللحم؟ أي ما دمت أليمًا. وكقولك للمُحْرِم: لا تَصِدْ؟ أَيْ أيَّامَ إِحْرَامِكَ، وقال الرازي وحكاه عن غيره: للانتهاء مرة، لا للدوام، إلا لقرينة، وَفُهِمَ من قوله: مطلقهُ: أن مقيدهُ لا يقتضي الدوام، وهو اختيار المصنف وَأَبيْ عبد الله والحاكم، وَأمَّا عند أئمتنا فيقتضي مقيدهُ دوام الانتهاء، كمطلقهِ، كالمقيد بشرط نحو: إن كان فاسقًا فلا تكرمه، ونحوه، ونحو: العالم لا تُهِنْهُ؟ فيما قيد بالصفة، ونحو: لا تدخل الحمامَّ إلا مستترًا، فيما قيد بالاستثناء؛ لأنه قد ثبت اقتضاؤه مع الإطلاق، والتقييدُ، لا يخرجه من موضعه، بل التكرار مع التقييد أولى، وكما يقتضي مطلقهُ ومقيدهُ الدوام، كذلك يقتضي الفور أيضًا؛ لأنه لو لم يكن للفور لجاز إيقاع الفعل المِنْهُي عنه، ولو مرة واحدة وهو باطل؛ لأن المِنْهُي مطلقًا يفيد المنع مطلقًا من المِنْهُي عنه، ووقوعه رفع لمطلق الامتناع.
  واعلم أن النهي قد يكون عن شيء واحد، وهو ظاهر كالنهي عن الظلم، والقتل وغير ذلك من المناهي، وقد يكون عن متعدد جمعًا: كالحرام المخير نحو: (لا تأكل السمك واللبن) فعليه: ترك أحدهما فقط، فلا مخالفة إلا بفعلهما، فالمحرم جمعهما، لا فعل أحدهما فقط، وفرقًا(١): كالنعلين يلبسان أو ينزعان، ولا يفرق بينهما بلبس أو نزع أحدهما فقط، فهو مِنْهُي عنه، أخذًا من حديث الصحيحين «لَاَ يْمِشَيَنَّ أَحَدُكُمْ فِيْ نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، لِيَسْتَنْعِلْهُمَا جَمِيْعًا أَو لِيَخْلَعْهُمَا مَعًا»، فيصدق أنهما مِنْهُي عنهما لبسًا أو نزعًا من جهة الفرق يبنهما في اللبس أو النزع، لا الجمع بينهما فيه، وأما جمعًا وفرقًا كالنهي عن الربا والسرقة، فكل واحد مِنْهُما مِنْهُي عنه، فلا يصح الجمع بينهما ولا التفريق، أي فعل أحدهما فيصدق بالنظر إليهما،
(١) قول فرقًا: عطفٌ على قوله: جمعًا.