فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

فصل في النهي

صفحة 247 - الجزء 1

  قوله:

  ٤٧٧ - وَأَنَّهُ يَدُلُّ بالوضِعِ عَلَى ... قُبْحٍ لِمَا نُهِيْ كَمَا قَدْ فُصِّلَا

  ٤٧٨ - وَقِيْلَ بَلْ عَلَى الفَسَادِ دَلَّا ... وَقِيْلَ: لَا يَدُلُّ قَطُّ أَصْلَا

  اعلم أنه وقع الخلاف بين أهل الأصول في هذه المسألة هل النهي بمعناه الحقيقي، وهو التحريم يدل على فساد المِنْهُي عنه لغة وشرعًا في العبادات والمعاملات، أم لا يدل إلا على القبح، وتفصيل ذلك أن النهي إِمَّا أن يكون عن عين الشيء كصلاة الحائض وصومها، وكالظلم والقتل والزنا، وإما على جزء مِنْهُ كالنهي عن بيع الملاقيح، أي ما في بطون الحوامل من الأجنة لجهالة المبيع وهو ركن من البيع، أو عن شيء خارج عنه ملازم له بقارنٍ تارة وبفارقٍ أُخرى كالبيع وقت نداء الجمعة فالنهي عن البيع ليس هو لعينهِ، ولا لجزئهِ وإنما هو لأمر خارج عنهما وهو أن البيع ترك للصلاة الواجبة، إذا عرفت هذه الأقسام الثلاثة؛ فاعلم أن النهي في الأول يدل على قبح المِنْهُي عنه مؤكدًا في العقليات ويدل على القبح والفساد المرادف للبطلان في الشرعيات، وأما القسم الثاني: وهو ما نهي عنه لجزئهِ، فعند أبي حنيفة ومحمد والشيخين وأبي عبد الله والكرخي والقاضي والحاكم والقفال⁣(⁣١) وبعض الأشعرية أنه لا يدل على الفساد لاَ لغة ولاَ شرعًا، لا في العبادات ولا في غيرها، وقال أبو طالب والمنصور وأكثر أصحاب الشافعي وأكثر الحنفية: وهو رأي الإمام الشافعي على ما تقتضيه رواية المنتهي عنه، ومالك وأبو حنيفة في رواية عنه، والظاهرية وطائفة من المتكلمين أنه يقتضي الفساد من غير فرق بين العبادات والمعاملات، قال صاحب الغاية: وهو الصحيح، وأما الثالث: فإنه لا يدل على الفساد عند الجمهور، وذهب الإمامُ أبو الفتحِ الديلمي أنه يدل عليه فيه أيضًا، وهو مروي عن مالك وأحمد.

  واعلم أنه وقع الخلاف في هذه المسألة وكثر الخبط والتخليط وتشعبت فيها الآراء وحط الأصولي معرفة انحصار المناهي في الثلاثة الأقسام وتمييز كل مِنْهُا عن الآخر جملة، فأما النظر في آحاد الصور الجزئية من أي الأخيرين هي والحكم عليها بأحد الأقوال المتقدمة فموكول إلى نظر الفقيه، ولهذا اختلفت أنظار الفقهاء في الفروع، والله أعلم.


(١) القفَّال: هو محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي (أبو بكر) ت ٣٦٥/ ٩٧٦ م، ابن خلكان وفيات الأعيان ١/ ٤٥٨، النووي تهذيب الأسماء واللغات ٢/ ٢٨٢. السبكي الطبقات ٢/ ١٧٦.