فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

العموم والخصوص

صفحة 252 - الجزء 1

  أكلتَ أكلًا فأنت حرٌّ، فإنه يقبل التخصيص بالنية أو باللفظ اتفاقًا، وإن لم يؤكد وهو ما أشار إليه الناظم. فالمختارُ: ما تقدم من عمومه، وقال المؤيد بالله # وأكثر الحنفية: إنه عام في جميع مفعولاته، فلا يقبل تخصيصًا بالنية، فلو خصصها بمأكولٍ لم يقبل مِنْهُ؛ لأن التخصيص من توابع العموم، قوله:

  ٤٩٦ - وَأَنَّهُ بِالعَامِّ يحرُمُ العَمَلْ ... مِنْ قَبْلِ بحثٍ عَنْ مُخصِّصِ⁣(⁣١) انفصلْ

  ٤٩٧ - ويُكْتَفَى فيهِ بِظَنٍّ عَدَمَهْ ... إِنْ لَمْ يكنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْلَمَهْ

  اعلم أنه وقع الخلاف في الوقت الذي يجوز للمجتهد العمل بحكم العام فيه، فمختار أئمتنا $ والجمهور أنه يحرم على المجتهد العمل بالعام قبل البحث عن مخصصه المنفصل، وظاهره من غير فرق بين أن يضيق الوقت عن البحث أَوْلَا، وبين أن يكون وجود العام في عصره ÷، أو بعد وفاته، لتوقف ظن عدم المخصص عليه لكثرته، حتى قيل: إنه لا عام إلا [وقد] خصص إلا قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٢٨٢}⁣[البقرة: ٢٨٢] وقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ٦}⁣[هود: ٦]، وقال الصيرفي والبيضاوي والرازي: إنه يجوز العمل بالعام قبل البحث عن مخصصه إلى أن يظهر الخاص، وإنه لا يجب البحث؛ لأن العموم حقيقة في الاستغراق، والحقائق يلزم التمسك بظواهرها من دون طلب للمجازات؛ لأن الحقائق هي الأصل والتخصيص مجاز طَآرٍ، والأصل عدمه، وعلى القول بوجوب البحث، فإنه يكفي الباحث المطلع على مظانه من كتب السنن المدونة الجامعة لأبواب الفقه مع أدلتها، وإن لم يحط بها أجمع: لتعذرها مع ظن عدم المخصص، فمتى بحث في مظانه ولم يجده وغلب في ظنه فَقْدُهُ: جاز له العمل حينئذٍ بمقتضاه؛ لأن الواجب في الأحكام العمل فيها بالعلم إن أمكن، وإليه أشار الناظم بقوله: إن لم يَكُنْ .... إلخ: وإلا فالظن كاف إن تعذر العلم وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في باب النسخ، قوله:

  ٤٩٨ - واختلفَ الأقوامُ في المشافَهَهْ ... كَأيُّها الناسُ فَكُنْ ذَا مَعْرِفَهْ

  ٤٩٩ - فَقِيْلَ لَا يَدْخُلُ مَنْ سَيُوجَدُ ... في اللِّفظِ إلاَّ بِدليلٍ يُوْرَدُ


(١) وقال المؤلف: تعليقًا على عَدَم تنوينه لكلمة: مخصص ما لفظه: حذف التنوين لإلتقاء الساكن جائزٌ فلاوهم. ص ١٩١ (خ)