فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

العموم والخصوص

صفحة 253 - الجزء 1

  واعلم أنه وقع الخلاف أيضًا في الخطاب الوارد في زمن النبي ÷، بما هو من أوضاع المشافهة، فقالت الحنابلة وبعض الحنفية واختاره الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد: إنه يعم الحاضرين الموجودين ومن بعدهم إلى انقطاع التكليف، وإلا لم يكن مرسلًا إليهم، واللازم باطل، فالمقدم مثله، أما الملازمة: فإنه لا معنى لإرساله إلا أن يقال: له: بَلَّغْهُمْ أحكامي، ولا يبَلَّغُ إلا بهذه العمومات، وَهِيَ لا تتناولهم. وأُجِيْبَ: بمنع الأُوْلَى، أعني الشرطية، بمعنى أنه لا يلزم من عدم الخطاب عدم الإرسال، وما ذكر في بيان الملازمة لا يصح؛ لأن التبليغ لا ينحصر في خطاب الشَّفاه، بل يحصل للبعض شفاهًا، وللبعض بنصب الدلائل، والأمارات. ومختار أكثر أصحابنا والحنفية والشافعية والمعتزلة: أن خطاب المشافهة لا يدخل فيه من سيوجد نحو: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ}⁣[الحج: ١]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}⁣[الحج: ٧٧]، {يَاعِبَادِيَ}⁣[العنكبوت: ٥٦]، إذ لا يقال: يا أيها الناس، ونحوه للمعدومين، عُلِمَ ذلك قطعًا، وأيضًا فإنه يمتنع خطاب الصبي والمجنون بمثله مع وجودهم لقصورهم عن الخطاب، فالمعدوم أَوْلَى، فلا يثبت حكمه لمن سيوجد إلا بدليل آخر، وهو ما عُلِمَ من عموم دينه ÷ إلى يوم القيامة بالضرورة والله أعلم، قوله:

  ٥٠٠ - كَذَا النِّسَاءُ في الَّذِيْنَ آمنوا ... ونحوهِ مِثْلُ الذينَ أَحْسَنُوا

  ٥٠١ - إلاَّ بنقلِ الشرعِ أو تَغْلِيْبِ ... لَا زِلْتَ فِيْ حِمَايَةِ القَرِيْب

  أي وكذلك حكم النساء لا يدخْلن في عموم نحو: {الَّذِينَ آمَنُوا} إذ هي صيغة خاصة بالذكور من بني آدم لإجماع أهل العربية على أنه لجمع المذكر، وهو بتضعيف المفرد بالإجماع، والمفرد مذكر، وإنما يكون ذلك بنقل الشرع، أي بدليل خارج عن ذلك الخطاب من نص أو إجماع أو قياس، أو بالتغليب من أهل اللسان العربي للمذكر على المؤنث كقوله تعالى: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ١٢}⁣[التحريم: ١٢]، قوله:

  ٥٠٢ - وَذِكْرُ حُكْمٍ صادرٍ لِجُمْلَةٍ ... مَعْ ذِكْرِهِ لِبَعْضِهَا فِي مَرَّةٍ

  ٥٠٣ - فَإِنَّهُ بِذَاكَ لَا يُخَصُّ ... حَتْمًا كَمَا قَامَ بذاكَ النَصُّ

  مراد الناظم بهذا، أن ذِكْر حُكْمٍ لِجُمْلَةٍ: لا يخصصه ذكره مرة أخرى لبعضها، فتحمل الجمل على العموم، ولا تخصص بذكر حكم ذلك البعض، ومن أمثلته الظاهرة قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ٢٤١}⁣[البقرة: ٢٤١] فإنه يعم