فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

العموم والخصوص

صفحة 254 - الجزء 1

  الممسوسة والتي لم تمس مع قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ}⁣[البقرة: ٢٣٦] الآية، ومِنْهُا: حديث: «الطَّعامُ بالطَّعامِ مِثْلًا بِمِثْلِ»⁣(⁣١)، وفي حديث: آخر: «الْبُرُّ بِالْبُرِّ»⁣(⁣٢)، قوله

  ٥٠٤ - ومِثْلَهُ جَاءَ بِلَا إبْهامِ ... عَوْدُ الضَّمِيرِ نحوَ بعضِ العامّ

  يريد أن مثل ما سبق من عدم التخصيص به يَّعَقُّبُ العام بما لا يصلح إلا لبعضه، أما عود الضمير إلى بعض أفراد العام كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}⁣[البقرة: ٢٢٨] ثم قال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ}⁣[البقرة: ٢٢٨] فالضمير في بعولتهن للرَّجْعِيَّات، دون البوائن، فعود الضمير إلى الرجعيات لا يقتضي التخصيص، أعني تخصيص الحكم السابق بالرجعيات، بل يعمُّ المطلقات.، أو استثناء كقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ}⁣[البقرة: ٢٣٦]>} إلى قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ}⁣[البقرة: ٢٣٧] فإن لفظ النساء يشمل المجنونه والعفو يختص بالمالكات لأمرهن وغير ذلك كالمتعة المختصة بغير الممسوسة، والمفروض لها في قوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ} مع قوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا ...}⁣[البقرة: ٢٤١] الآية، إذ لا تنافي ولا تعارض بين ذلك المذكور في هاتين المسألتين المذكورتين، أعني ذكر حكمٍ (لِجُمْلَةٍ) مع ذكره لبعضها بذلك الشرط المتقدم، وكذا ذكر العام وتعقيبه بما لا يصلح، إلا لبعضه، والموجب للتخصيص هو التنافي، أو ما يجري مجراه، ولا تنافي، ومثال التنافي: فاقتلوا المشركين، لا تقتلوا أهل الذمة، فلفظ المشركين يعم أهل الذمة وغيرهم، وقولنا: لا تقتلوا أهل الذمة، مخصص لهم للتنافي بينهما، ومثال ما يجري مجرى التنافي، اقتلوا المشركين، أكرموا أهل الذمة، فإن لفظ الإكرام يجري مجرى التنافي، فإذا لم يتعارضا وجب العمل بهما، كما تقدم من غير تخصيص، عملًا بالمقتضي السالم من المتعارض كما نحن فيه، فإنه لا تنافي ولا ما يجري مجراه، وأيضًا فإن لفظ المطلقات وضمير جمع المؤنث لفظان عامان نظرًا إلى ظاهرهما، ومقتضى الأول⁣(⁣٣) إجراؤه على ظاهره مِنَ الْعُمُومِ،


(١) اللباب ٢/ ٣٨ أصول الأحكام ٢/ ٣٣ رقم (١٧٦٣)، مسلم ٨/ ٢٧٤ رقم (٢٩٨٢)، والترمذي ١١/ ١٢٩ رقم ٣٢٣٥، وأحمد برقم (٢٥٩٩٠) والموطأ ٤/ ٣٥٩.

(٢) التجريد ٢/ ٥٤، ومسلم ٣/ ١٧٠ رقم (١٥٨٦)، والترمذي ٣/ ٥٤١ رقم (١٢٤٠)، والبخاري ٢/ ٧٥٠ رقم (٢٠٢٧).

(٣) أي: لفظ المطلقات.