العموم والخصوص
  الْمَرَافِقِ} {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}[المائدة: ٦] فوجوب غسل المرافق والكعبين، إنما هو لفعل النبي ÷، فإن إفادة الغاية لقصر الحكم على ما قبلها من جهة الظاهر كما ذكره أبو الحسين وغيره، فجاز أن يدل الدليل على خلاف الظاهر، أو لأن (إلى) ليست هنا للغاية، وإنما هي بمعنى - مع - كما قال بعض المفسرين: إنها كذلك في قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}[النساء: ٢]، أي مع أموالكم؛ ويكون فعله ÷ قرينة على ذلك، أو لأنه لا يتم الواجب إلا به، فيكون واجبًا بالتبعية لا بالأصالة، كما أن غسل جزء من الرأس يجب تبعًا لوجوب غسل الوجه، وفي هذه المسألة ستة أقوال: أحدها: أن ما بعد (إلى) لاَ يدخل فيما قبلها، وهذا مذهب الجمهور، ثانيها: أنه داخل مطلقًا، ثالثها: أنه داخل إن كان من الجنس نحو: بعتك الرمان إلى هذه الشجرة. والواقع أنها رمانة وإلا فلا، وهذا محكي عن المبرد، ورابعها: يدخل إن لم يكن معه (مِنْ) بخلاف: بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار، خامسها: أنه إذا اقترن (بِمِنْ) لم يدخل، وإلا احتمل الأمرين، وهذا القول عزاه الجويني إلى سيبويه، وأنكر ابن خَرُوفٍ عَزْوَهُ إليه، سادسها: أنه إن تميز عما قبله بالحس مثل: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧] كان حكمه مخالفًا لحكم ما قبله، وإن لم يتميز حسًّا كان داخلًا مثل: المرافق، فإنها لا تنفصل عن اليد بفصل محسوس غير مشبه بما قبله كانفصال الليل من الصيام، وهو اختيار الإمام الرازي.
  فاعلم أنها قد تتحد الغاية والمُغيَّا، وقد يتعدد كل مِنْهُما إما جمعًا أو بدلًا، فهذه تسعة أقسام؛ لأن المغيَّا إما متحد، نحو: اقتلوا أهل الكتاب، أو متعدد على جهة الجمع نحو: اقتلوا اليهود والنصارى، أو متعدد على جهة البدل نحو: اقتلوا اليهود أو النصارى، فهذه ثلاثة أقسام يجيء مثلها في الغاية نحو: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ}[التوبة: ٢٩] حتى يعطوا الجزية وحتى يسلموا؛ حتى يعطوا الجزية أو يسلموا، وإذا ضربت ثلاثة في ثلاثة كانت تسعة أقسام، وتفصيلها ظاهر لتفصيل الشرط، والحكم في ذلك واضح، فإن مقتضى ما مثلناه: وجوب استمرار القتل للطائفة أو الطائفتين أو لإحداهما إلى أن تحصل الغاية أو الغايتان أو إحداهما، قوله:
  ٥١٣ - وبعدَهُنَّ بَدَلُ البعضِ كَمَا ... ألحقَهُ بِتِلْكَ بَعْضُ العُلَمَا
  أشار إلى بدل البعض، وهو مما ألحقه بعض العلماء بالمخصِّصات، مِنْهُم ابن الحاجب وأنكره آخرون بناءً على أن المبدل مِنْهُ في حكم النتيجة، فلا يتحقق فيه