فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

العموم والخصوص

صفحة 260 - الجزء 1

  الإخراج، والتخصيص لَا بُدَّ فيه من الإخراج، والقول بأنه غير مقصود لا يصح، إذ كيف يقال: في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٥٢ صِرَاطِ اللَّهِ}⁣[الشورى: ٥٢ - ٥٣]: إنه غيرمقصود، فليتأمل، ومثاله قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}⁣[آل عمران: ٩٧]، فيقصر الناس على المستطيعين، ولا بد فيه من رابطٍ لفظًا، نحو: قطعتُ زيدًا يده، أو تقديرًا كالآية؛ لأن تقديره: مَنِ استطاعَ مِنْهُم. والله أعلم، قوله:

  ٥١٤ - ومَنَعُوا تَراخِيَ الإِستْثنَا ... فِيْ كُلِّ حالٍ خَارِجًا وذِهْنَا

  ٥١٥ - فَلَا يَصِحُّ فِيْهِ ذَاكَ إِلاَّ ... قَدْرَ تَنفُّسٍ كمَا قَدْ دَلَّا

  ٥١٦ - أو بَلْعِ رِيْقٍ وكذا سُعَالِ ... وَقِيْلَ بَلْ صَحَّ بِلَا إِشْكَال

  أشار الناظم إلى أن العلماء منعوا من تراخي الاستثناء، ولا يصح ذلك إلا بقدر تنفس أو بلع ريق، أو سعال، كما أشار إليه الناظم، هذا قول الجمهور، وقوله: وقيل: بلْ صَحَّ ... إلخ: أشار به إلى قول ابن عباس ¥ مع اختلاف الروايات عنه في قدره، فقيل: تراخيه أبدًا، وقيل: شهرًا، وعنه وهو أحد قولي الناصر: سَنَةً، وقول سعيد بن جبير: أربعة أشهر، ومجاهد: سنتينِ، والحسن البصري وعطاء⁣(⁣١): في المجلس، احتج ابن عباس: بأنه لو لم يصح تراخي الاستثناء لما صدر عن النبي ÷. روي أنه قال: «واللهِ لأَغزْوَنَّ قُرَيْشًا»، ثم سكتَ، ثُمَّ قال: «إن شاء الله تعالى»، وما رواه في سيرة ابن إسحاق، وأبو بكر البيهقي في دلائل النبوة: أن أهل مكة بعثوا رهطًا مِنْهُم إلى اليهود يسألونهم عن أشياء يمتحنون بها النبي ÷، فقالوا: اسْألُوهُ عن ثلاثة، فإنْ عَرَفَها فهو نبي، سَلوُهُ: عن أقوام ذَهَبُوا في الأرض لا ندري ما صنعوا؟ وسَلُوهُ عن رجل بلغ مشارق الأرض ومغاربها؟ وسَلوُهُ عن الروح؟ فلما رجعوا: سألوا النبي ÷ عن ذلك، فقال: «غدًا أُجِيْبُكُم»⁣(⁣٢)، وتأخر الوحي بِضْعَةَ عشر يومًا، ثم نزل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ٢٣ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}⁣[الكهف: ٢٣ - ٢٤] فقال: «إن شاء الله».


(١) عطاء: هو عطاء بن أبي رباح أحد الأعلام المشهورين توفي (سنة ١١٤ هـ).

(٢) ابن كثير ٣/ ٩٨، الرازي ١٠/ ١٩٠، وتفسير النيسابوري ٥/ ١٧٢.