العموم والخصوص
  وَأُجِيْبَ: عن الحديث الأول باحتمال: أن يكون من السكوت الذي لا يخل بالاتصالالحكمي، كما سبق، ويحتمل: أن يكونَ غيره، وحينئذٍ يُصارُ إلى الترجيح، والأول هو الراجح؛ لأنه لو صح الانفصال ولم يشترط الاتصاللم يستقر عقد من العقود كالبيع والنكاح، ولا شيء من الإيقاعات كالعتق والطلاق، والتالي باطل. أما الملازمة فللقطع بأن تجويز الاستثناء يقضي بعدم الجزم بثبوتها، واستقرارها. وأمَّا بُطْلَانُ اللازم، فلما فيه من التقلب وإبطال التصرفات الشرعية، وهو اتفاق. وأما الرواية الثانية، فلا نُسَلَّمُ: أنه قال ذلك بطريق الإلحاق لخبره الأول كما إذا قال القائل لغيره: افعل كذا، فقال: إن شاء الله اَفْعَلُهُ، إن شاء الله. والله أعلم، قوله:
  ٥١٧ - وَاسْتَثْنِ لِلأكَثرِ والمُساوِيْ ... كما أتَى في قولِ كُلِّ راو
  أشار الناظم - غفر الله له - إلى ما اختاره أئمتنا $، والجمهور: من أنه يصح استثناء الأكثر حتى يبقى أقل من النصف، واستثناء المساوي حتى يبقى نصف المستثنى مِنْهُ؛ لوقوع ذلك، وهو دليل الجواز، وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ٤٢}[الحِجر: ٤٢]، وهم أكثر من غيرهم، وغير ذلك من الآيات الدالة على ما ذكرنا، وفي الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتهُ فَاسْتَطْعِمُوْنِي أُطُعِمكُمْ» رواه مسلم(١) وغيره، عن أبي ذر، ولا شك أن من أطعمه الله أكثر، وللاتفاق على أن من قال: عندي عشرة إلا تسعة فإنه لا يلزمه غير واحد. والله أعلم، وأما المستغرق فلا خلاف في منعه، وأما الأقل فلا خلاف في جوازه، قوله:
  ٥١٨ - وَهُوَ مِنَ الإِثبَاتِ يأتي نَفْيَا ... كَجَاءنِي الرجالُ إِلاّ يَحْيَى
  أشار الناظم إلى ما اختاره أصحابنا والشافعية والجم الغفير من غيرهم: أن الاستثناء من الإثبات نفي، وذلكم كما مثل الناظم فإنه ينتفي مجيء يحيى، وكقولك: عندي عشرة إلا ثلاثة، فالثلاثة منفية قطعًا، وأما ما ذكره الحنفية، من أَنَّهُ ليس من النفي إثبات، ولا من الإثبات نفي، وإنما هو تكلم بالباقي بعد الاستثناء ففي مثل: عليَّ عشرة إلا ثلاثة، إنما لم تثبت الثلاثة بحكم البراءة الأصلية، لَا بِدَلَالَةِ الكلام، وفي مثل: ليس لي إلا سبعة، إنما تثبت السبعة بحسب العرف لَا بِحَسَبِ دلالة الكلام، ولا يخفى ما في هذه التأويلات من التعسف، قوله:
(١) مسلم ٨/ ١٦ رقم (٦٧٣٧)، والبزار ٥/ ٣٨٦ رقم (٤٠٥٣)، وابن عساكر ١/ ٤٢٤ رقم (١٧٠).