فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

باب المجمل والمبين

صفحة 278 - الجزء 1

  اجتمعوا، فوجد للابن الثلثان وللبنت الثلث إذا اجتمعا، لكمال الابن ونقصان البنت، وكذلك وجدا للأب الثلثان وللأم الثلث؛ لكمال الأب ونقصان الأم، فكذلك فضلت الزوجة على الخادمة، ومثال ما لم يوجد له أصل في التقدير يُرَدُّ إليه، وأخذ بيانه من الأمر الذي قُصد له قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ...}⁣[المجادلة: ٣] الآية، فذهب الجمهور إلى أن المعيب لا يجزي، فقيدوا إطلاق الآية واتفقوا على الفرق بين العيب الكبير فيضر، والعيب اليسير فلا يضر، وإن اختلفوا في تعيينه، وليس لذلك نظير في المقدرات يرجع إليه، فأخذ بيانه من معناه؛ فرجع إلى العتق فوجد معناه أنه تمليك العبد منافع نفسه، فدلهم ذلك على أن كل عيب يضر بالمنافع إضرارًا بينًا، فإنه لا يجزي؛ لأنه يسقط فائدة العتق ومما لم يضر بالعمل إضرارًا بينًا، فإنه يجزي لوجود معنى العتق. ولنا أن نقول: بل له نظير يعتبر، وهو الهدايا والضحايا، ومثال ما لم يوجد له أصل، ولا يوجد بيانه من معناه، وإنما يرجع إليه بضرب من التقريب بعرف الناس وعادتهم العفو عن دم البراغيث واليسير من سائر الدماء عفي عن قليلها لمشقة الاحتراز؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}⁣[الحج: ٧٨] إذ لا مشقة في اجتنابه فيرجع في بيان القليل إلى عرف الناس وعادتهم، ولهذا نظائر كثيرة، وعلى هذا فاعمل في جميع ما يرد عليك من هذا الباب، وقدم من الدلالة أقواها، وهذا فصل نفيس فاحتفظ به تستفد مِنْهُ علمًا كثيرًا، وتطلع على سِرِّ الفقهِ، ولَطَائِفِهِ، خامسُها: الاشتراكُ في المعنى، وهو على وجوه: أحدها: أن يعلق الحكم على اسم مشترك، ويدل الدليل على أن المراد به أحد معانيه لا بعينه، كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}⁣[البقرة: ٢٢٨] فعند الشافعي وأكثر أصحابه: يُحمل على الجميع، وعند أبي حنيفة أنه مُجْمَل فلا يحمل على شيء مِنْهُا إلا بدليل، ثانيها: أن ينقل فعل وذلك الفعل يحتمل حالين، فإنه مجمل، كما ورد أن النبي ÷ جمع بين الصلاتين في السفر والفعل لا يقع إلا على حال واحد من حالين: إما أن يكون طويلًا أو قصيرًا، فهذا يرجع في بيانه إلى الأدلة السمعية، ثالثها: إن قضى في واقعة بحكم والواقعة تحتمل حالين أو أحوالًا، فهو مشكل؛ لأن القضاء واحد والواقعة تحتمل أحوالاً، وذلك كما روي أنه ÷ قضى بالشفعة للجار والقضية واحدة، والجار الذي قضى له يحتمل أن يكون ملاصقًا، أو مشايعًا، فهذا يرجع في بيانه إلى الأدلة، فإن لم يوجد دليل فيوجد بأقل ما قيل، انتهى ما قاله المذكور، إذا عرفت هذا فاعلم أنه يكون الإجمال إما في القول مفردًا كقرء للحيض أو الطهر، ومركبًا بجملتيه