باب المجمل والمبين
  نحو: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}[البقرة: ٢٣٧] لتردد المركب من الموصول والصلة بين الولي والزوج، فإن أريد به الولي كما هو مذهب مالك، فالمراد بالعفو الإسقاط، وإن أريد به الزوج كما هو مذهب الشافعي، فالمراد به الزيادة بأن يسوق إليها المهر كاملًا، وَإِمَّا في الفعل مثل: أن يصوم أو يصلي، فإن صومه وصلاته تحتمل الوجوب، والندب، فكان مجملًا، وهذا ثابت في كل فعل أو ترك لا يُعلم وجهه، وإِمَّا في القياس لتعارض العلتين، وَإمَّا في التقرير على ما قيل وإلا فهو بيان فلا يحتمل الإجمال.
  واعلم أن الإجمال يكون إما بالاشتراك وضعًا اسمًا كقرء وفعلًا كعَسْعَسَ لأَ قْبَلَ وأَدْبَرَ، وحرفًا (كَمِنْ) للابتداء، أو التبعيض وغير ذلك أو عروضًا، وهو ما يعرض الاشتراك للاسم عروضًا عن الإعلال كمختار للفاعل والمفعول. وإما بالنقل كالصلاة، فإن الشارع نقله من معناه اللغوي الذي هو الدعاء إلى معناه الشرعي، أعني ذات الأركان والأذكار، وإما بالقصر كقصر العام المخصوص باستثناءٍ نحو: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}[المائدة: ١] أو صفةٍ نحو: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}[المائدة: ٥] أو دليلٍ منفصلٍ نحو: اقتلوا المشركين ولا تقتلوا بعضهم، إذا كُنَّ مجهولات، كما مثلنا الثلاث الصور، وإما بالوصف نحو: جاءني غلام زيد الكاتب(١)، وَإِمَّا بالإشارة كقوله تعالى: {(٢) ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة: ١٩٦] وإما بالضمير المتردد بين أمرين فصاعدًا نحو: ما علمه زيد فهو كما علمه، لتردد الضمير بين العالم والمعلوم، وإما بالواو المترددة بين العطف والاستئناف كقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ...}[آل عمران: ٩] الآية، وإما بورود جملة عقيب جملتين متنافيتين كقوله تعالى: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ}[هود: ٤٠] فالجملة الأخيرة وَهِيَ قوله: {وَمَنْ آمَنَ} تحتمل أن تكون راجعة إلى كل من الجملتين وتحتمل المقدمتين، وإما بتعدد المجازات المتساوية بعد منع الحقيقة، وذلك لأن اسم الجنس إن استعمل في معنى مخصوص كان مجازًا وإن استعمل في العام المطابق له كان حقيقة، ومثاله قوله: «الطواف بالبيت صلاة»: فلا يمكن حمله على حقيقته، لأنه غير صلاةٍ أصلا؛ فيُحمل أنه صلاة مجازًا، ويحتمل الكناية فيفتقر إلى البيان، وأما
(١) فالكاتب وصف يجوز أن يعود إلى الغلام وإلى زيد فكان مجملًا تمت مؤلف.
(٢) لإحتمال الإشارة للحكم أو غيره مما تقدم من أول الآية تمت مؤلف.