فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

باب المجمل والمبين

صفحة 280 - الجزء 1

  المبين فهو ما يفهم المراد مِنْهُ تفصيلًا ويقع ابتداء غير مسبوق بالإجمال كالسماء، والأرض، في المفرد {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٢٨٢}⁣[البقرة: ٢٨٢] في المركب، وقد يقع مسبوقا بالإجمال كما سيأتي، قوله:

  ٥٥٢ - أَمَّا البيانُ فهو ما تَحَصَّلَا ... بِهِ المرادُ مِنْ خطابٍ أُجْمِلَا

  البيان لغة: مِنْ بَانَ إذ ظهر وانفصل، يطلق على التبيين كالسلام على التسليم، وعلى متعلقه، وهو العلم، وعلى ما حصل به وهو المراد، فقول الناظم هنا: إنه ما تحصل: أي تبين به المراد من الخطاب المجمل.

  واعلم أن البيان بالإضافة خمسة أنواع: بيانُ التفسير: وهو بيان ما فيه خفاءٌ، من المشترك أو المجمل أو الخفي كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}⁣[البقرة: ٤٣] فإن الصلاة مجمل في حق المصلي، فألحق البيان بالسنة، وكذا الزكاة مجمل في حق النصاب والمقدار، فألحق البيان بالسنة أيضًا، والثَّانِيْ: بيان التقرير: وهو توكيد الكلام بما يقطع المجاز والتخصيص، كقوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ٧٣}⁣[ص: ٧٣] فقرر معنى العموم حتى صار بحيث لا يحتمل التخصيص، الثَّالِثُ: بيان التغيير وهو تغيير موجب الكلام نحو: التعليق⁣(⁣١) والاستثناء، والتخصيص، والرَّابِعُ: بيان الضرورة وهو نوع بيان يقع بغير ما وضع له، لضرورة ما: مثل سكوت المولى عن النهي حين يرى عبدَه يبيعُ ويشتري، فإنه يجعل له إذنًا في التجارة ضرورةً؛ دفعًا لغرور من يعامله، فإن الناس يستدلون بسكوته على إذنه، فلو لم يُجْعَلْ إذنًا لكان إضرارًا لهم، وهو مدفوع، الخامس: بيان التبديل وهو النسخُ. وسيأتي، قوله:

  ٥٥٣ - وصحَّ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّهْ ... جَميعِهَا وَمِثْلُهَا الْعَقْلِيَّهْ

  أراد أنه: يصح البيان بكل من الأدلة السمعية والأمارات، وكذا الأدلة العقلية كالتخصيص، والأدلةُ السمعيةُ: الكتابُ والسنةُ المقالية، والفعلُ والترك والتقرير والإجماع، والقياس على الخلاف فيهما. ومثال البيان من الكتاب العزيز قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ١٩٦}، فهذه الآية جمعت أنواعًا من


(١) كالشرط والحال والنعت وغيرها تمت مؤلف.