فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

باب المجمل والمبين

صفحة 281 - الجزء 1

  البيان، وبعضها أجلى من بعض، فأجلاها: بيان العدة من الثلاث والسبع، وزاد الله سبحانه في البيان تأكيدًا ثانيًا بقوله: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}⁣[البقرة: ١٩٦] دفعًا لتوهم إيجاب أحد العدتين، وأن الآخر تطوع، ولم يقصد تعليم العرب العدد، لكونهم يعرفونه، ويليه في البيان: ترتيب الهدي على التمتع، والصيام على فقدان الهدي، فإن ترتيب الجزاء على الشرط بَيِّنٌ في لسان العرب، وإن تخلف في بعض الأحوال كقوله تعالى: {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}⁣[البقرة: ٢٣٠]، فتراجعُهما جائز، وإن ظنا ألا يقيما حدود الله؛ لأن الشرط خرج مخرج الأغلب، ويليه في البيان: تخصيص هذا الحكم بغير {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}⁣[البقرة: ١٩٦] فإنه بَيِّنٌ في لسان العرب أن الإضافة واللام يقتضيان التخصيص، وبَيِّنٌ عندهم أن ذلك إشارة إلى الحكم المرتب على قوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}⁣[البقرة: ١٩٦] من وجوب الهدي والصيام عند العجز، ويليه في البيان: التعميم في كل من تمتع بالعمرة إلى الحج، فإنه بَيِّنٌ في لسان العرب أن (مَنْ) تصلح للعموم والاستغراق، ولولا عموم استغراقه لما صلح تخصيصه بغير الحاضري المسجد الحرام، وَأَمَّا السنة فإن النبي ÷ بَيَّنَ أحكام الصلاة، والصوم، والزكاة، المجملة في الكتاب بأوضح بيان، وغير ذلك من الأحكام، إما بالقول أو بالفعل أو بالترك أو بالتقرير، قوله:

  ٥٥٤ - وَشُهْرَةُ البَيَانِ ليْسَتْ تَلْزَمْ ... كَشُهرةِ المبَيَّنِ المقَدَّمْ

  يُرِيْدُ أَنَّهُ: لا يلزم شهرة البيان في النقل كشهرة المبين المقدم ذكره قريبًا، بل يجوز أن يبين القطعي بالظني، إذ لا يمتنع تعلق المصلحة بذلك؛ ولأن الظن كالعلم في جلب المنافع ودفع المضار، وأيضًا فقد وقع، وهو دليل الجواز، وذلك كتخصيص القرآن والخبر المتواتر بالآحادي كما تقدم، إذ لا فرق بين التخصيص للعام والبيان للمجمل لأنهما بَيَانٌ، قوله:

  ٥٥٥ - وَصَحَّحوا التعليقَ بالمدحِ مَتَى ... مَا كَانَ فِيْ حُسْنٍ لِشَيْءٍ يَا فَتَى

  ٥٥٦ - وَهَكَذَا فِيْ قُبْحِهِ بالذَّمِّ ... فخُذْ بما أَوضَحتُه عَنْ فَهْم

  يُرِيْدُ أَنَّهُ: يصح التعليق في حسن الشيء بالمدح عليه كما يتعلق في حسن إخراج الزكاة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ٢٤}⁣[المعارج: ٢٤] إذ المدح كالحث على فعل ذلك الشيء، وكذا في قبحه بالذم عليه، كما يتعلق في قبح حبس الزكاة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ...}⁣[التوبة: ٣٤] الآية، إذ هو آكد من النهي عنه؛