باب المجمل والمبين
  لأن النهي: قد يكون عما هو حَسَنٌ في ذاته: كالمكروه، بخلاف الذم، فلا يكون إلا على القبيح، فليس بمجمل عند بعضهم، بل ظاهر يستدل به على حسن الشيء وقبحه، قوله:
  ٥٥٧ - والجمعُ إن نُكِّرَ للإجْمَالَ ... فيهِ كما قد جَاءَ في الأَقْوَال
  ٥٥٨ - لِأَنَّهُ عَلَى الأَقَلِّ يُحْمَلُ ... وَهْوَ ثلاثةٌ كَما يُفَصَّلُ
  اعلم أن المختار عند أئمتنا والجمهور أنه لا إجمال في الجمع المنكر، إذ يحمل على الأقل مما يدل عليه، وهو ثلاثة في جمع القلة، وقد صرح به الناظم كَأَرْغِفَةٍ، ومسلمين، وأحدَ عشرَ في جمع الكثرة كدراهم إن كان المتكلم به عالمًا، وإلا فثلاثة مطلقًا؛ لأن الأصل براءة الذمة من الزائد، قوله:
  ٥٥٩ - ومثلُهُ فِيْ حُرْمَةِ الأعيَانِ ... والرفعِ لِلْخطَا وللنِّسْيَان
  يريد ألا إجمال أيضًا في تحريم الأعيان ولا تحليلها أيضًا نحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}[النساء: ٢٣] {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ}[المائدة: ٩٦] {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}[النساء: ٢٤] إذ كل من التحريم والتحليل يحمل على ما يحتمله اللفظ كالأكل، والوطء، وغيره، إلا لدليل مخصَّص كالفعل المعتاد للمخاطبين كالوطء في الموطوء، والأكل في المأكول، والشرب، في المشروب واللبس في الملبوس، وهو السابق إلى الأذهان، وهو متضح لا إجمال فيه، إذ المراد تحريم الفعل المقصود مِنْهُا لا عينها، وقال الكرخي وأبو عبد الله البصري: وروي عن أبي حنيفة: إنه مجمل؛ محتجين بأنها: أجسام غير مقدورة لنا، فثبت أن الأمر والنهي يتعلق بأفعالنا فيها، وَهِيَ كثيرة، فلا بد من إضمار واحد مِنْهُا يكون متعلقًا للتحريم، والتحليل، وإضمار الجميع غير جائز، فثبت الإجمال، قُلْنَا: لا نسلم عدم الوضوح، بل متضح بما سبق من العرف؛ في إرادة المقصود من مثله، وكذا لا إجمال فيما نفي صفته، والمراد لوازمها نحو قوله ÷: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وقد تقدم تخريجه، ولا إجمال فيه لسبق المقصود إلى الفهم عرفًا، فإن من استقرَأ كلام العرب في ذلك، ومارس ألفاظهم، واطلع على أعرافهم، عَلِمَ أن مرادهم في ذلك رفع المؤاخذة والعقاب، قوله:
  ٥٦٠ - ونحو ذَاك لَا صلاةَ إِلَّا ... وكلُّ عامٍ خُصَّ حيثُ دلَّا
  أَيْ وكذا لا إجمال في الفعل المنفي والمراد نفي صفته؛ نحو: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ»، «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»، «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ»، «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَا يَعْزِمُ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ»، «لَا