باب المجمل والمبين
  قَوْلَ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلَا قَوْلَ وَلَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَا قَوْلَ وَلَا عَمَلَ وَلَا نِيَّةَ إِلَّا بِإِصَابَةِ السُّنَّةِ»، ومختار صاحب الفصول حمل النفي فيه على جميع الأوصاف المحتملة من الإجزاء، والكمال، وَالأَفْضَلِيَّةِ؛ لوجوب حمل اللفظ على كل ما يحتمله، ومختار الإمام المهدي #: حمله على نفي أقرب المجازات إلى الحقيقة، أو نفي الذات، فيتعين من بين إجزاء الأحكام التي يتوجه النفي إليها وهو الصحة دون الكمال ونحوه؛ لأن ما لا يصح كالعدم في عدم الجدوى؛ بخلاف ما لا كمال فيه، فكان نفي الصحة أقرب المجازات إلى الحقيقة المتعذرة، وكان ظاهرًا فيه فلا إجمال، وهذا القول أقوى، والله أعلم، وقوله: وكلُّ عامٍ خُصَّ ... إلخ: يريد أنه لا إجمال في العام المخصوص المبين مطلقًا، سواءً كان متصلًا، أو منفصلًا، أَمَّا لو خص بمجمل كما سبق، فلا تبقى حجة فما بقي حتى يُبَيَّن، فأما ما نقله ابن الساعاني عن بعض الحنفية، وأبو الحسين القطان عن بعض الشافعية من العمل به في الباقي ففي غاية البعد؛ لأن إخراج المجهول من المعلوم يُصيِّرُهُ مجهولًا، قوله:
  ٥٦١ - وَمِثْلُهُ الأعمالُ بالنياتِ ... كَمَا هُوَ المُخْتَارُ لِلثِّقَات
  يعني: أن المختار أنه لا إجمال فيما قصر فيه الفعل على أمر، والمعلوم أنه يوجد من دونه كقوله ÷: «الأعمال بالنيات» رواه الحاكم في الأربعين، له، من طريق مالك، وأخرجه ابن حبان من وجه آخر في مواضع من صحيحه، كما ذكر الناظم بحذف (إِنَّمَا) وجمع النيات، ورواه البخاري أيضًا بحذف (إِنَّمَا) وإفراد (النية)، وَأَمَّا مع ذكر (إنما) فلم يبق من أصحاب الكتب المعتمدة من لم يخرجه سوى مالك، فإنه لم يخرجه في الموطأ، ومداره على يحيى بن سعيد الأنصاري، فيتمسك به عند أئمتنا والجمهور؛ لما تقدم في نحو: «لا صلاة إلا بطهور»، فيكون مراده: لا عمل شرعي إلا بنية، وما لم يكن كذلك فليس بعمل شرعي، قوله:
  ٥٦٢ - ثُمَّ البيانُ قَطُّ لا يُؤَخَّرُ ... عن وقتِ حاجةٍ على مَا ذَكَرُوا
  ٥٦٣ - وَمِثْلُهُ التخصيصُ إِذْ يَسْتَلْزِمُ ... تَكْلِيْفَنَا فِيْهِ بِمَا لَا نَعْلَمُ
  اعلم أنه لا يجوز ولا يقع من الباري تعالى، ومن الرسول ÷ تأخير البيان للمجمل عن وقت الحاجة إليه، وهو وقت التكليف بالعمل بمقتضى الدليل المجمل، وكذا التخصيص للعام، والتقييد للمطلق، فلا يجوز أن يخاطبنا الله بالصلاة مثلًا، وقد علمنا أنه لم يرد معناها اللغوي من غير أن يتبين لنا ما أراد بها مع تضيق وقتها، وذلك إجماع بين عامة المسلمين، إِذْ