فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

الظاهر والمؤول والتأويل

صفحة 285 - الجزء 1

  كما سبق، وأشار بقوله: ويكفيْ مَنْ سَمِعْ: بأنه إذا سمع المكلف دليلًا مجملًا، أو عامًّا أو مطلقًا فإنه: يجب عليه البحث عن المُبيَّنِ والمخصَّصِ والمقيَّد في مظانه حتى يجده، أو يظن عدمه كما تقدم، وقوله: ولا يجوزُ ذاكَ: أي التأخير في الإخبار، وهو تصريح بالمفهوم من قوله: في الأمرِ، والنهيِ: إذ السامع إذا أخبر بعموم اعتقد شموله، فيكون إغراء بالجهل فيقبح، وإذا أخبر بمجمل يكون عبثًا؛ إذ فائدة الإخبار الإفهام ولا إفهام في المجمل؛ احتج القائل بالجواز بأن المخاطب بالعام ممنوع عن اعتقاد شموله حتى يقع البحث عن مخصصه كذلك فلا يجده، وأما الخطاب بالمجمل ففائدته توطين النفس على الامتثال متى بين، وبالوقوع⁣(⁣١) كما روي عن ابن عباس أنه قال: إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأة يقال: لها: أم كحة وثلاث بنات له مِنْهُا فقام أبناء عم الميت ووصيَّاه سويد، وعرفجة، وأخذا ماله؛ ولم يُعْطِيَا امرأته، ولا بناته شيئًا، وكانوا في الجاهلية، لا يورثون النساء ولا الصغير شيئًا، وإن كان ذكرًا، وإنما يورثون الرجالَ، وكانوا يقولون: لا يُعْطَى إلا مَنْ قاتل على ظهور الخيل، وذاد عن الحوزة، وحاز الغنيمة، قال: فجاءت أم كحة إلى رسول الله ÷ فقالت: يا رسول الله إن أَوْس بن ثابت مات وترك عليَّ بنات، وأنا امرأته، وليس عندي ما أنفق عليهن؛ وقد ترك أبوهن مالًا حسنًا، وهو عند سويد، وعرفجة، ولم يعطياني، ولا بناتي من المال شيئًا؟ فدعاهما رسول الله ÷، فقالا: يا رسول الله ولدها لا يركب فرسًا، ولا يحمل كلًّا، ولا ينكأ عدوًا، فقال رسول الله ÷: «انْصَرِفُوا حَتّى أَنْظُرَ مَا يُحْدِثُ اللهُ لِيْ فِيْهِنٌ، فَانْصَرِفُوا»، فأنزل الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ...}⁣[النساء: ٧] الآية، فبعث إليهما: لا تفرقا من مال أوس شيئًا، فإن الله قد جعل لهن نصيبًا، ولم يُبين حتى تبين فنزل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}⁣[النساء: ١١] فأعطى أم كحة الثمن والبنات الثلثين، والباقي لابني العم.

الظَّاهِرُ والمؤَوَّلُ وَالتَّأْوِيْلُ

  ٥٦٧ - قدْ يُطْلَقُ الظاهرُ فاعْلَمْهُ عَلَى ... ما قابَلَ النصَّ كَذاكَ المُجْمَلَا


(١) عطف على قوله: بمنع العبثية وبمنع التلبيس.