فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

الظاهر والمؤول والتأويل

صفحة 286 - الجزء 1

  ٥٦٨ - أَمَّا الُمؤَوَّلُ فَمَا يُرَادُ ... بِهِ خِلَافٌ ظَاهرٌ مُرَادُ

  لما فرغ الناظم من بيان المجمل والمبين أخذ يبين الظاهر والمؤول والتأويل، والظاهر لغةً: الواضح، يقال: ظهر الشيء ظهورًا إذا وضح بعد خفائه، ومِنْهُ قيل: ظهر لي رَأْيٌ، أي علمتُ ما لم أكن علمته، وظهر الحمل إذا تبين، ويقال: ظهرت عليه أي اطلعت، وظهرتُ على الحائط عَلَوْتُهُ ومِنْهُ: ظهر على عدوه، إذا غَلَبَهُ، واصطلاحًا: ما ذكره الناظم، وهو أنه قد يطلق تارة على ما يقابل النص فيكون قسيمًا له؛ لأن قسيم الشيء غيره، فهو اللفظ السابق مِنْهُ إلى الفهم معنى راجح مع احتماله لمعنى مرجوح لم يحمل عليه، فخرج النص بقولنا: (مع احتماله) لمعنى مرجوح، وبقولنا: لم يُحملْ عليهِ: خرج المؤول، ويطلق تارة على ما يقابل المجمل، وحقيقته حينئذٍ ما يفهم المراد مِنْهُ تفصيلًا، فيكون النص قسمًا مِنْهُ وقسم الشيئ جزؤه والحاصل أن اللفظ المستعمل نص، وظاهر ومؤول، فالنص لغة: الظهور واصطلاحًا: اللفظ الدال على معنى لا يحتمل غيره بضرورة الوضع، اسمًا أو فعلًا أو حرفًا، كمحمد وعشرة و طلقت وكي، وهذا هو المراد بالنص الجلي، وهو الذي لا يتطرق إليه احتمال، وأما الخفي فهو اللفظ الدال على معنى لا يحتمل غيره بالنظر؛ لا بدلالة الوضع، (والظاهر) تقدم أنه اللفظ السابق إلى الفهم مِنْهُ معنى راجح مع احتماله لمعنى مرجوح لا يحمل عليه، وذلك كأسدٍ، فإنه إذا استعمل لم يقطع أن المراد به السَّبُعُ لاحتمال أن يراد به المجاز، وإنما يفيد أنه السَّبُعُ بالظن لكثرة المجاز. وأما المؤول: فهو اللفظ الظاهر المحمول على المعنى المرجوح لدليل قطعي أو ظني، يُصَيِّرُهُ راجحًا كقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}⁣[المائدة: ٦٤] فإنه ظاهر في الجارحة، فحملناه على المعنى المرجوح وهو النعمة لدليل عقلي، وهو أن الباري تعالى منزه عن الجوارح والأعضاء. وأما التأويل فقد أشار إليه بقوله:

  ٥٦٩ - وإن تُردْ معرفةَ التأْوِيْلِ ... فَهَاك رَسْمَهُ على التَّفْصِيْلِ

  ٥٧٠ - أَنْ يُصْرفَ اللفظُ بِلَاإِلْغَازِ ... مِنَ الحَقْيقَةِ إلى المَجَاز

  ٥٧١ - أو يُقصْرَ اللفظُ ببعضٍ مِمَّا ... دَلَّ عليهِ فاعْتَبرهْ عِلْمَا

  التأويل لغة: مصدر أوَّل مأخوذ من آل يؤول إذا رجع، ومآل الشيء مرجعه، فله شبه بالمعنى اللغوي كأنه رد اللفظ من ذهابه على الظاهر، إلى ما أريد به. واصطلاحًا: ما أشار إليه الناظم، والمراد أنه صرف اللفظ من حقيقته إلى مجازه أو