الظاهر والمؤول والتأويل
  قصره على بعض مدلوله، قوله:
  ٥٧٢ - وذاك للقرينةِ العقليَّهْ ... وغيرِها يا صاحِ كالحَالِيّهْ
  يريد أن التأويل المذكور يكون للقرينة العقلية أو الحالية أو المقالية المقتضية للصرف والقصر، أما العقلية فكتأويل اليد بالنعمة، وَهِيَ حقيقة في العضو، فيجب صرفها عن الحقيقة إلى معناها المجازي، وَهِيَ النعمة للقرينة العقلية، وَهِيَ نفي التجسيم عن الباري جل وعلا، وذلك لكثرة استعمال العرب اليد في النعمة مجازًا كما هو مقرر في موضعه. وأما الحالية: فكما في حديث «لَعَنَ اللهُ السَّارقَ يسَرْقَ الَبيْضَةَ»(١)، فإنه إذا فرض أنه قال ذلك وهو يلبس لَامَةَ الحرب عند قيام الحرب دل على أنه لم يرد بلفظ البيضة: بيضة الدجاجة، وإنما أراد بيضة الحديد الذي تجعل فوق الرأس، وأما المقالية فكصرف ما ظاهره التجسيم من الآيات والأخبار عن الظاهر لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١]، قوله:
  ٥٧٣ - وقد يكونُ يا فتى قريبَا ... وقد يكونُ نَائِيًا جنيبَا
  ٥٧٤ - وقد يكونُ بَاطِلًا مُتْعَسَّفَا ... عنِ الصوابِ حُكمُهُ منحَرِفَا
  ٥٧٥ - أما القريبُ فهو يَكفِي فِيهِ ... أدنى مرجِّحٍ لمَنْ يَدْرِيْه
  ٥٧٦ - أما البعيدُ فهو مُحَتاجٌ إلى ... أَقْوَى مرجِّحٍ على ما فُصِّلَا
  ٥٧٧ - وذو تعسفٍ فليس يُقبَلُ ... عِنْدَ الجَمِيْعِ فاعتبْر مَا يُنْقَلُ
  أشار الناظم إلى أن التأويل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قريب وبعيد، ومتعسف، فالقريب: ما يكفي فيه أدنى مرجح لقربه إلى الفهم، كما ذكر في تأويل اليد بالنعمة، فإنها مجاز في النعمة، قريب لقوة العلاقة، وكذا تأويل سائر الآيات والأحاديث التي يخالف ظاهرها التنزيه، ويوهم التشبيه، فإن الدليل العقلي والشرعي قائم على عدم إرادة ظاهرها بل: اتفاق السلف والخلف على منع حملها على ظاهرها، وهو في دلالة الأحكام الشرعية كثير جدًا، كتأويل: «لَولَا أَن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك»(٢) بأمر الإيجاب؛ لأن مطلق الأمر قد
(١) أصول الأحكام برقم (٢٠٨٧) والبيهقي ٧/ ١٧٨ برقم (٢٦٣٠، ١٧٦١٤) والترمذي ٢/ ٨٦٢ برقم (٢٥٨٣) والنسائي برقم (٤٨٧٣) وابن حبان برقم (٥٧٤٨) والبخاري برقم (٦٤٠١، ٦٤١٤)، ومسلم برقم (٤٥٠٣) وغيرهم.
(٢) البخاري ١/ ٣٠٣ رقم (٨٤٧) مسلم ١/ ٢٢٠ رقم (٤٢، ٤٦) أبو داود ١/ ٥٩ رقم (٤٦) ١/ ٥٩ رقم (٤٨)، الترمذي ١/ ٣٤ رقم (٢٢)، النسائي ١/ ١٢ رقم (٧، ٥٣٤) ابن ماجة ١/ ٢٨٧١٠٥، أحمد ١/ ٨٠ رقم (٦٠٧).