فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

الظاهر والمؤول والتأويل

صفحة 288 - الجزء 1

  ورد في قوله: «استاكوا»⁣(⁣١)، ومِنْهُ قصر: «إنما الربا في النسية»⁣(⁣٢) على مختلفي الجنس لحديث عبادة بن الصامت: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، سواءً بسواء يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد» وقد تقدم تخريجه، ومِنْهُ تأويل الجلد في الزاني على التنصيف في العبد قياسًا على الأَمَةِ. وقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ...}⁣[التوبة: ٦٠] الآية ببيان أن كل صنف مصرف على انفراده، إذ لم يقصد وجوب التشريك خلافًا للجويني، وإنما كان هذا تأويلًا؛ لأن اللفظ يقتضي التشريك بين جميعهم، إذ الواو للجمع، والمعنى يقتضي إيثار ذوي الحاجة إذ المقصود سد الخلة، وأما البعيد وبعده بحسب خفاء العلاقة فيحتاج لبعده إلى أقوى مرجح، ولا يرجح بالأدنى؛ من ذلك تأويل أصحابنا والحنفية حديث أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له ÷: «أمسك أربعًا وفارق سائرهن»⁣(⁣٣) رواه النسائي عن الثقة عن معمر عن الزهري، عن سالم عن أبيه وابن حبان والترمذي، وابن ماجه كلهم من طريق معمر، وفيه مقال لأهل الحديث، قال البزار: جوده معمر بالبصرة وأفسده باليمن، وقال الترمذي: قال البخاري: هذا الحديث غير محفوظ، والمحفوظ ما رواه شعيب عن الزهري، قال: وحديث عن محمد بن سويد النفعي: (أن غيلان أسلم ... الحديث)⁣(⁣٤)، وأما حديث الزهري عن سالم عن أبيه، فإنما هو: أن رجلًا من ثقيف طلق نساءه، فقال له عمر: لترجعن نساءك أو لأرجمنك، وحكم مسلم على معمر بالوهم فيه، وقال ابن عبد البر: طرقه كلها معلولة، والتأويل فيه أن المراد بالأربع الأوائل إن تزوجهن مرتِّبًا، أو بأن المراد بالإمساك ابتداء النكاح إن جمعهن عقد، وإنما كان بعيدًا؛ لأن غيلان كان متجدد الإسلام لا يعرف شيئًا من أحكامه، فخطاب مثله بغير ظاهر مثل هذا بعيد؛ مع أنه لم ينقل تجديد مِنْهُ، ولا من غيره مع كثرة إسلام الكفار المتزوجين، وتأويل الشافعية حديث الحسن عن سمرة مرفوعًا (من ملك ذا رحم محرم فهو حُرٌ)، رواه


(١) المعجم الكبير ٢/ ٦٤ رقم (١٣٠١) والبزار ٤/ ٢٩ برقم (١٣٠٢)، والبيهقي ٣/ ٢٥٥ رقم (٥٨١٤).

(٢) الموطأ ٣/ ١٤٩، مسلم ٣/ ١٢١٧ رقم (١٠١).

(٣) النسائي ٧/ ١٨١، وابن حبان ٩/ ٤٦٥ رقم (٤١٥٧)، والترمذي ٣/ ٤٣٥ برقم (١١٢٨)، وابن ماجة ١/ ٣٣٠ رقم (١٥٨٩).

(٤) الترمذي برقم (٦٠١١٢٨/ ٣)، وأحمد ٢/ ١٣ برقم (٤٦٠٩)، وابن حبان برقم (٤١٥٦).