فصل في النسخ
  فإن قيل: تقييد الفعل بالأبدية لا من حيث هو مكلف به يستلزم أبدية التكليف به، فإذا انتفى أبدية التكيف به بالنسخ انتفت أبديته. أُجِيْبَ: بالمنع وإن سلم، فغايته الظهور، قوله:
  ٥٨٢ - وجائزٌ أَيْضًا إلى غيرِ بَدَلْ ... والحكمِ مَعْ تِلَاوةٍ بِلَا خَلَلْ
  ٥٨٣ - وَوَاحِدٌ مِنْهُا بِدُونِ الاخَرِ ... يَجُوزُ عِنْد السَّادةِ الأكابِر
  أشار الناظم غفر الله له إلى جوزا النسخِ إلى غير بدل كما اختاره الجمهور، أما من يقول بمراعاة المصالح فلجواز أن تكون المصلحة في انقضاء التعبد بذلك الحكم من دون تبديل له بحكم آخر، والعقل يقضى بأنه لا استحالة فيه قضاءً قطعيًا، وأما من لم يقل بها فجوازه عنده أظهر، وأيضًا فإنه قد وقع ومُثِّلَ بآية صدقة النجوى المنسوخة، {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا}[المجادلة: ١٣]، فإنه قال عبد الرازق: أخبرنا معمر عن أيوب عن مجاهد، قال علي #: ما عمل بها غيري حتى نسخت، وأحسبه. قال: وما كان إلا ساعة من نهار، وذهب بعض أهل الظاهر إلى منعه، وبنى عليه والدنا الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد #، محتجًا بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة: ١٠٦] فقد أخبر سبحانه وتعالى أنه لا يَنْسَخُ إلا ببدل، والخُلْفُ في خبر الصادق محال. وَأُجِيْبَ: بأن المراد بالآية: اللفظ فبدلها كذلك، فالمراد: (نَأْتِ): بلفظ خَيْرٍ لا بحكم خَيْرٍ، والنزاع في الثاني، ولا دلالة عليه. وقوله: والحكم ... إلخ: أشار به إلى جواز نسخ الحكم والتلاوة معًا بأن تُنْسَخَ التلاوة فلا يبقى اللفظ قرآناً وينسخ الحكم فلا يبقى معمولًا به، وإنما جاز نسخهما لحديث عائشة: كان فيما أنزل: (عَشْرَ رَضَعَاتٍ مَعْلُوْمَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخْنَ بِخمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُوْمَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَتُوُفيَّ رَسَوْلُ اللهِ ÷ وَهِيَ فِيْمَا يُقرَأ مِنَ القرآن) رواه مسلم، فإنه لم يبق لهذا اللفظ حكم القرآن في الاستدلال، ولا في غيره. وأما قولها: (فتوفي وَهِيَ فيما يُتلى من القرآن) فمحمول على أن من لم يبلغه نسخ تلاوتها يتلوها، وهو معذور، وإنما أُوِّلَ بذلك لإجماع الصحابة ومن بعدهم على تركها، وقوله: وواحدٍ مِنْهُا ... إلخ: أي ويجوز نسخ التلاوة فلا يبقى اللفظ قرآنًا دون الحكم، فيبقى كما روى مسلم: كَاَن فِيْمَا أنْزَلَ اللهُ تعالى: «وَأَنْذِرْ عَشِيَرتَكَ الأَقْرَبِيْنَ وَرَهْطَكَ مِنْهُمْ الُمخْلَصِيْنَ»، ثم نسخ تلاوته، قاله النووي في شرحه لمسلم، وكما رواه الشافعي عن سعيد بن المسيب عن عمر قال: (إيَّاكُمْ أَنْ تَهْلَكُوْا عَنْ آيةَ الرجْم، أو يَقُوْلُ قائلٌ لا نجدُ حَدَّيْنِ في كَتاب اللهِ ø، فَلَقَدْ رَجَمَ رَسُوْلُ الله ÷، وَالَّذيْ نَفْسيْ بَيدِهِ لوْلا أَنْ