فصل في النسخ
  والعكس، وحجتهم على الجواز الوقوع: كنسخ التخيير بين الصوم والفدية بتعيين الصوم، وصوم عاشوراء، وَهْوَ يَوْمٌ بِشَهْرِ رَمَضَانَ، ووجوب الحبس في البيوت والأذى بالجلد أو به، وبالرجم والصفح عن الكفار بقتال مُقَاتِلهم، ثم بقتالهم، وما ذكره بعض الشافعية والظاهرية من عدم الجواز، ممنوع بما ذكرنا من الوقوع، والله أعلم، قوله:
  ٥٨٧ - ولا يجوزُ نَسْخُ شيءٍ قَبْل أَنْ ... يُمْكِنَ فِعْلُهُ على مَا قَدْ عَلَنْ
  اعلم أنه لا يثبت الحكم سواءً كان مبتدأ أو ناسخًا قبل أن يبلِّغَهُ جبريل # إلى النبي ÷، وكذا بعد تبليغه إلى النبي ÷، وقبل تبليغه النبي ÷ للمكلفين؛ لأن القول به يؤدي إلى تكليف ما لا يعلم، وهو قبيح، وقال بعض (ش)(١): بوصوله إلى النبي ÷ صار الحكم منسوخًا عَنَّا، قياسًا على تكليف الكفار بالتكاليف الشرعية لما بغلت رسول الله ÷، وإن لم يعلموها. قلنا: هم متمكنون من العلم بها، فهم مأْتِيُّوْنَ من قبل أنفسهم، وفائدة الخلاف فيما لو كان المنسوخ عبادة واجبة، فمن يقول بنسخها لا يوجب القضاء على المخلَّ بها قبل تمكنه من العلم بالناسخ، ومن لا يجيزه يوجبه. إذا عرفت هذا فاعلم أنه: إن كان النسخ بعد إمكان الفعل بأن يمضي وقت يمكن فعله فيه، وإنما يكون ذلك الوقت الموسع والمطلق جاز اتفاقًا، وإن كان قبل إمكانه، فقد أشار الناظم إلى ذلك بقوله: ولا يجوز ... إلخ: فلا يصح ولا يجوز أن يقول: صلوا ركعتين ثم يقول: لا تصلوا ركعتين، قبل مضي وقت يسعهما؛ لأنه لو صح ذلك وجاز لكان نهيًا عن نفس ما أمر به، أو أمرًا بنفس ما نهى عنه، فإن كان ذلك؛ لأنه ظهر له من بَعْدُ: القبحُ أو الحسنُ كان بَدَا، وإن كان لأنه لم يظهر له شيء من ذلك كان عبثًا، أو تجهيلًا، والكل على الله تعالى محال، وأجازه جمهور الأشاعرة وبعض الفقهاء محتجين بأن كل نسخ قبل وقت الفعل وهو ثابت بالاتفاق فيلزم تجويزه قبل الفعل، بيانه: أن التكليف بالفعل بعد وقته محال؛ لأنه إن فعل أطاع وإن ترك عصى، فلا نسخ، قُلْنَا: هذا غير محل النزاع؛ لأن النزاع في وقوعه قبل الوقت الذي قَدَّرَ الشارع للفعل والمذكور في شبهتكم قبل مباشرة الفعل، فأين أحدهما من الآخر؟ قالوا: قد وقع النسخ قبل التمكن، والوقوع فرع الجواز كقصة إبراهيم #،
(١) المراد به بعض الشافعية، والله أعلم.