فصل في النسخ
  فإنه أمر بذبح ولده # بدليل قوله تعالى حاكيًا عنه: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}[الصافات: ١٠٢] ولأنه أقدم على الذبح وترويع ولده ولو لم يكن مأمورًا به لكان ذلك ممتنعًا شرعًا، وعادة، ونسخ عنه قبل التمكن من الفعل؛ لأنه لم يفعل، ومِنْهُ حديث المعراج، فإنه يدل على نسخ الزائد من الخمسين صلاة على الخمس قبل التمكن. قلنا: أما قصة إبراهيم فلجواز أن يكون المراد: افعل ما تؤمر في المستقبل بدليل: (افعل ما تؤمر)، لا ما أمرتُ، سَلَّمْنَا: أنه قد أمر - فلا نسلم أنه أمر بالذبح، بل أمر بالمقدمات من الاضطجاع، وتحديد المدية(١) والانتظار لما يترتب عليها(٢) من ذبح أو غيره، سَلَّمْنَا: أنه أُمِرَ بالذبح نفسه، لكن الوقت موسع، وقد يقتضي مِنْهُا ما يسعه ولا يعصي به، ومثل هذا التعليق بالمستقبل لا يمنع النسخ، وأما حديث المعراج فيجب تأويله بأن المراد من فرض الخمسين أن المفروض من الصلوات الخمس ثوابه، أي ثواب الخمسين، وبين ذلك الاقتصار على الخمس قبل وقت الإمكان، ويتأيد هذا التأويل بأن حديث المعراج متأخر عن شرع الصلاة، فإن المشهور أن رسول الله ÷ وأصحابه كانوا يصلون الخمس قبل ذلك بمدة مديدة. والله أعلم، قوله:
  ٥٨٨ - وَكُلُّ ما زَادَ على العِبَادَهْ ... نسخٌ لَهَا فَاحْرِصْ على الإِفَاَدهْ
  ٥٨٩ - هذا إذا لَمْ يُجزِ مَا يُرَادْ ... عَلَيْهِ دُوَنَ ذَلِكَ المُرَادْ
  اعلم أن الزيادة على العبادة إن لم يكن لها تعلق بالمزيد عليه أي بحكم المزيد عليه كصلاة سادسة، وحج آخر وصوم آخر، فليست بنسخ خلافًا للحنفية، فزيادة الوتر مثلًا عندهم ناسخ للصلاة الوسطى، وإن كان لها تعلق بالمزيد عليه، فإن كانت مقارنة له في خطاب واحد، كغسل الأيدي بعد الوجه في آية الوضوء المشتملة على وجوب غسل بعد غسل، أو كانت واجبة بطريق التبعية: كغسل جزء من الرأس بعد الأمر بغسل الوجه، أو مبنية لمجمل: كإيجاب النية والترتيب بعد نزول آية الوضوء أو نحو: هذه الصورة، فكذلك ليست بنسخ اتفاقًا، أو كانت الزيادة غير ذلك كزيادة تغير الإِجزاء وهو(٣) إما بسقوط
(١) آلة الذباحة (السِّكِيْنُ).
(٢) عليها أي: على المقدمات.
(٣) وهو: أي الإجْزاءُ. تمت مؤلف.