فصل في النسخ
  كالطهارة والنية والاستقبال لم يكن نسخًا، والله أعلم، قوله:
  ٥٩١ - وَلَا يصِحُّ نَسْخُ إِجْمَاعٍ وَلَا ... نسخُ قياسٍ فاعتبرْ مَا أُصِّلَا
  ٥٩٢ - ولا يَصِحُّ النسخُ أيضًا بِهِماَ ... هَذَا عَلَى المُخْتَارِ عِنْد العُلمَا
  اعلم أن النسخ مرتفع بارتفاع الوحي بموته ÷، والإجماع لا ينعقد على القول بوقوعه إلا بعده ÷، لما سبق، فإذا انعقد الإجماع بعده لم يكن نسخه بكتاب ولا سنة لعدمهما بعد وفاته ÷، ولا إجماع؛ لأنه إن كان لا عن دليل فخطأ، ومحال وقوعه كذلك، أو عن دليل فيلزم تقدمه على الإجماع المفروض، كونه منسوخًا، والناسخ لا يتقدم المنسوخ، والقياس شرطه: عدم مخالفة الإجماع مع أن التعبد به مقارن للتعبد بأصله: فيلزم تقدمه، وهو باطل، وكذا القياس الصادر من غير الرسول ÷، وادعى صاحب الكافل الإجماع على ذلك، ولا شك أنه الحق، والله أعلم، وكما لا يصح نسخ الإجماع والقياس لا يصح النسخ بهما، أي بالإجماع والقياس الصادر من غير الرسول ÷ على المذهب المختار. أما الإجماع فلما تقدم من ارتفاع النسخ بارتفاع الوحي بوفاته ÷. وأمَّا القياس فلا ينسخ نصًّا ولا قياسًا، لرفض القياس عند وجود النص، فكيف ينسخه؟ وأما القياس فلأن تقدمه بتقدم أصله قرينة تخصيص علة الآخر، كما في بناء العام على الخاص إن لم يكن مرجوحًا عند القائل به، وَإِلَّا تبين زوال شرط العمل به كما تقدم، قوله:
  ٥٩٣ - ولا يَصِحُّ نسخُ ما تَوَاتَرَا ... بخبرٍ الآحادِ فيما قُرِّرَا
  أشار إلى أنه لا يصح نسخ الأخبار المتواترة المعلومة بالأخبار الآحادية المظنونة، إذ القاطع لا يعارضه المظنون، فلذا قلنا: إن الفرجين ليسا من أعضاء الوضوء(١)؛ لأنها زيادة في العبادة، لا تجزي بدونها لو ثبتت واستلزام ذلك نسخ المتواتر القطعي بالآحادي الظني، وذهب متأخرو الحنفية إلى جواز نسخ الكتاب العزيز والخبر المتواتر بالخبر المشهور، قالوا: لأن النسخ بيان من وجه وتبديل من آخر، فمن حيث بَيَانيَّتُهُ يجوز بالآحاد كبيان المجمل والتخصيص، ومن حيث تبديله يشترط التواتر فجاز التوسط بينهما عملًا بالجهتين، وفيه أنه لا واسطة بين العلم والظن، وقد صرحوا بأن المظنون لا يقابل القاطع، وذهب جمع من
(١) بل هو من أعضاء الوضوء نص عليه الإمام الهادي # في (المنتخب) وفي (كتاب الأحكام) ودليله قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ...} الآية [المائدة: ٦].