الطرق الموصلة إلى معرفة الناسخ والمنسوخ
  الظاهرية إلى جوازه ووقوعه؛ لأنه إذا جاز تخصيص القاطع بالآحاد جاز نسخه بها؛ لأن ذلك تخصيص في الأعيان، وهذا تخصيص في الأزمان. وَأُجِيْبَ بالفَرْقِ، فإن التخصيص بيان وجمع بين الدليلين، والنسخ إِبْطَالٌ وَرَفْعٌ لأحدهما. قالوا: قد وقعَ والوقوعُ: فرع الجواز، فإنه كان ÷ يبعث الآحاد لتبليغ مطلق الأحكام حتى ما نسخ متواترًا لو كان، ونسخ الوصية للوالدين بقوله ÷: «لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»(١) ونسخ قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}[الأحزاب: ٥٢] كما روي عن عائشة: (مَا مَاتَ رَسُوْلُ اللهِ ÷ حتىَّ أُحَّل لَهْ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ النَّسَاِء مَا شَاءَ) ونسخ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا}[الأنعام: ١٤٥] بنهيهِ عن أكل كل ذي ناب، وأن التوجه إلى بيت المقدس كان متواترًا، فاستداروا في قُبَا، بخبر الواحد ولم ينكره ÷. وَأُجِيْبَ عن الأول: بمنع بعثه ÷ للآحاد بما نُسِخَ قَطْعًا لظهور استواء الناسخ والمنسوخ في حق البائن عنه ÷ في كونهما تبليغ الآحاد ولو سلم فلحصول العلم به بقرينة الحال، وعن الثاني: بأن الخبر معلوم لتلقي الأمة له بالقبول، روى أبو عبيدة عن الحسن قال: كانت الوصية للوالدين والأقربين، فنسخ ذلك وصارت الوصية للأقربين الذين لا يرثون وإلى هذا صارت السنة القائمة عن رسول الله ÷، وإليه انتهى قول العلماء وإجماعهم في قديم الدهر وحديثه، وعن الثالث: بأن قوله تعالى: {مِنْ بَعْدُ} قيد في الحكم فحكم بالتأبيد، وبأن الحديث غير صحيح، ولو سلم فالنسخ بقوله تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ...}[الأحزاب: ٥٠] الآية. وعن الرابع: بأن المعنى لا أجد الآن والتحريم في المستقبل لا ينافيه ولو سلم، فالحديث مخصص لا ناسخ، وعن الخامس: بأن خبر الواحد أفاد القطع بالقرائن، فإن نداء مناديه بالقرب مِنْهُ في مثلها قرينة صدقه عادة، والله أعلم.
الطُّرُقُ المُوْصِلَة إِلى مَعْرِفَةِ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوْخِ
  قوله:
  ٥٩٤ - أَمَّا طريقُنَا إلى العلمِ بِمَا ... قد نَسَخَ الشارعُ مِمَّا حَكَمَا
(١) أصول الأحكام ٢/ ٢٤٠ باب ما تجوز فيه الوصية، وهو في المجموع الفقهي باب الوصايا ١/ ٢٧٦.