فصل في الاجتهاد والتقليد
  ٦١٥ - لكنَّ مَا يقوله الجمهورُ ... من وَحْدَةِ الحَقِّ هُوَ المشهورُ
  المراد بقوله: مَا أفادَ الظنَّ: هي الأحكام الشرعية الفرعية الاجتهادية العلمية التي تعبدنا فيها بالظن، ولا يُحتاج فيها إلى دليل قطعي، بل دليلها ظنيٌّ؛ لأن المطلوب منا فيها العمل دون الاعتقاد، وأشار بقوله: فقيلَ: إلى قول السيدين وأبي عبد الله والقاضي والأشعري والباقلاني وابن شريح وأبي يوسف ومحمد والكرخي وحكاه عن الحنفية ألاَّ حكم فيها لله تعالى معيَّن قبل الاجتهاد، وإنما المطلوب مِنْ كلٍّ ما أدَّاه إليه اجتهاده، فمرادُ الله تعالى فيها تابع للظن، فما ظّنَّهُ كلُّ مجتهدٍ فهو حكمُ الله تعالى فيها في حقه، وحق مقلده، وكلُّ مجتهدٍ فيها مصيبٌ عند هؤلاء، لقوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}[النساء: ١٠٥] وأشار بقوله: لكنَّ مَا يقوله الجمهورُ ... إلخ: إلى ما اختاره الجمهور من وحدة الحق سواء كان قطعيًا أو ظنياً، والمخالف مخطئ، وعلى ذلك متأخرو الحنفية والشافعية والمالكية، وقرره الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد # محتجين بوجوه عقلية ونقلية، أما العقلية: فمِنْهُا: أن المجتهد طالب، والطالبُ لا بد له من مطلوب متقدم في الوجود على وجود الطلب، فلا بد من ثبوت حكم قبل ثبوت الطلب، فإذا كان كذلك كان مُخَالِفُ ذلك الحكمِ مخطئاً، ومِنْهُا: أنه يلزم أنه من اجتهد ابتداءً وتغيَّر اجتهادُهُ مبتدئ شرعاً، والإجماع على أن ابتداء الشرائع إنما هو بالوحي، وأما النقلية: فالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتابُ: فقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: ١٠٣] وقوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}[آل عمران: ١٠٥] وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}[الأنعام: ١٥٩] ولم يفصل في تحريم الاختلاف في أصول الدين وفروعه؛ للقطع بانتفاء المخصص، وقوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}[الأنبياء: ٧٩] وكان حكم داود بالاجتهاد دون الوحي وإلا لم يجز لسليمانَ خلافُهُ، ولا لداودَ الرجوعُ عنه، فلو كان كلٌّ مِنْهُما حقًا لم يكن لتخصيص سليمان جهة، ولم يحلَّ له الاعتراضُ على من لم يخطئ، فكيف إذا كان نبيًا، وأما السنة: فقوله ÷: «لاَ يَخْتَلِفُ عَالِمَانِ وَلاَ يَقْتَتِلُ مُسْلِمَانِ» ولم يفصل.، وما روي عن أمير المؤمنين كرم الله وجهه أنه قال: سمعت رسول الله ÷ يقول: «أتاني جبريل # فقال: يا محمد أمتك مختلفة بعدك، فقلتُ: أين المخرج يا جبريل؟» فقال: «كِتَابُ الله به يُعْتَصَمُ مِنْ كُلِّ جَبَّار عَنيْد، مَنْ اعْتَصَمَ بهَ نَجَا، ومَنْ تَرَكَهُ هَوَى، قوله: فَصْلٌ،