فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

فصل في الاجتهاد والتقليد

صفحة 307 - الجزء 1

  لَيْسَ بِالُهْزل لاَ تُخْلِقُهُ الألْسُنُ، ولا يثقل على طُوْلِ الرد، ولا تفنى عجائبه، فيه أَثَرُ مَنْ كان قبلكم، وخَبَرُ مَنْ هو كائن بعدكم»⁣(⁣١) وأخرج الجماعة كلهم إلا الترمذي عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله ÷: «إذا اجتهد أحدكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد وأخطأ فله أجر» وأخرج الجماعة كلهم⁣(⁣٢) عن أبي هريرة نحوه قال الترمذي: وفي الباب عن عمرو بن العاص وعقبة بن عامر، وفي رواية للحاكم: «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجرٌ وإن أصاب فله عشرة أجور»⁣(⁣٣) ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، وعن عقبة بن عامر أن رسول الله ÷ قال له في قضاءٍ أَمَرَهُ بهِ: «اجتهدْ فإن أصبتَ فلكَ عَشْرُ حسناتٍ، وإنْ أخطأتَ فلكَ حسنةٌ» وروى نحوه أحمد بن حنبل في مسنده⁣(⁣٤)، وحَمْلُهُمُ التخطئةَ على صورة وجود القاطع أو ترك استِقْصَاء المجتهد بعيدٌ: لا سيما من الصحابة، والحاكمُ المقصَّرُ مأزورٌ لا مأجور.

  تنبيه: أجر المخطئ على بذل الوسع لا على نفس الخطأ، لعدم مثبته، ولأنه ليس من فعله، وأجر المصيب بتعدد الأجر في حقه، وَأَمَّا الإجماع فإن الآثار على أن الصحابة كانوا يرددون الاجتهاد بين الصواب والخطأ، ويُخطِّئُ بعضهم بعضًا بحيث تواتر القدر المشترك، كما في مسألة العول، فإن ابن عباس خَطَّأَ مَنْ قال به، وخَطَّاؤَهُ في تركه، وكما في مسألة الكلالة فإنه روى السيوطي عن الشعبي قال: سئل أبو بكر عن الكلالة فقال: إني أقول فيها بِرَأْيِيْ فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، والله مِنْهُ بريء، رواه الدارمي والبيهقي وابن أبي شيبة وغير ذلك من الآثار، والله أعلم، قوله:

  ٦١٦ - هذا ولا يَلْزَمُ تكريرُ النظَرْ ... عندَ تَكَرُّرٍ لحادِثٍ ظَهَرْ

  أشار الناظم إلى أنه إذا تكررت الحادثة التي قد اجتهد فيها المجتهد وَوَفَّى الاجتهادَ حقَّه، وأداه اجتهاده إلى حكم فيها؛ فإنه لا يلزمه تكرير النظر فيها، لتكررها، إذ قد حصل مطلوبه بالنظر الأول خلافًا للشهرستاني، قوله:


(١) مسند أحمد ١/ ١٩٧ (٧٠٤)، مسند البزار ٣/ ٤٨٠، مسند أبي يعلى ١/ ٣٠٢، كنز العمال ١/ ٣٨٠.

(٢) البخاري ٦/ ٢٦٧٦ (٦٩١٩) ومسلم ٥/ ١٣١، (٤٥٨٤) وأبو داود ٣/ ٢٢١ رقم (٣٥٧٦، وابن ماجة ٢/ ٧٧٦ رقم (٢٣١٤) والترمذي ٣/ ٦١٥ رقم (١٣٢٦).

(٣) الحاكم ٤/ ٩٩.

(٤) مسند أحمد ٢/ ٦١٤ (٦٧٦٧) ط ٢/ ١٤١٤ هـ دار الفكر - بيروت.