فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

فصل في الاجتهاد والتقليد

صفحة 308 - الجزء 1

  ٦١٧ - وواجبٌ لكلِّ حَبْرٍ راسِخِ ... البحثُ عن مُخَصِّصٍ ونَاسخ

  أشار الناظم بهذا إلى ما هو المختار عند الجمهور من وجوب البحث عن المخصص للعام والناسخ للحكم، وكذا موجب التأويل أيضًا حتى يظن عدمهما، وعدم موجب التأويل والتقييد، إذ لا يحصل العلم أو الظن بالعدم إلا بعد البحث، ويكفيه البحث في الكتب المشهورة من كتب السنن، ولا يجب استيفاء جميع الأخبار الواردة عنه ÷؛ لتعذره، ولكثرة الرواية والرواة حتى خرجت عن حد الضبط، قوله:

  ٦١٨ - ولا يجوزُ أبدًا للمتْقِنِ ... تقليدُ غيرِهِ مَعَ التَّمَكُّن

  أي ومن أحكام المجتهد أنه لا يجوز له تقليد غيره مع تمكنه من الاجتهاد في شيء من الأحكام الشرعية عند أئمتنا $ والجمهور؛ لحديث: «اِسْتَفْتِ نَفْسَكَ وَلَوْ أَفْتَاكَ المُفْتُونَ»⁣(⁣١) ونحوه مما اشتهر في معناه في وجوب العمل بالظن وإن خالف ما عند الناس، وأشار بقوله: مَعَ التَّمَكُّنِ: أي تمكن المجتهد من الاجتهاد، إلى أنه إذا لم يتمكن مِنْهُ؛ لتضيق الحادثة بحيث تفوت لو اشتغل بالاجتهاد، كما لو كان في آخر وقت الصلاة مثلًا فإنه حينئذ يجوز له التقليد، أما إذا تمكن فإنه لم يجز أصلًا ولو كان ذلك في بعض المسائل، لأن جواز تقليده غيره حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل شرعي، ولا دليل؛ إذ الأصل عدمه، ولأن الاجتهاد أصل التقليد، والأخذ بالفرع مع القدرة على الأصل لا يجوز، كما لا يجوز التيمم إلا عند تعذر الوضوء، قوله:

  ٦١٩ - حَتْمًا ولو أكثرَ مِنْهُ عِلْمًا ... ولو صَحَابِيًّا كَذَا أَوْ فِيْمَا

  ٦٢٠ - يَخُصُّهُ أيضًا مِنَ الأَحكامِ ... لِنَفْسهِ عَنْ سَائرِ الأَنَام

  أشار إلى أنه لا يجوز له تقليد غيره كما تقدم حتمًا، ولو كان ذلك الغير أكثر مِنْهُ علمًا، خلافًا للشيباني وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة، قالوا: لأرْجحيته عليه دون المساوي والأدنى، وكذا لا يجوز له تقليد الغير ولو كان ذلك الغير صحابياً، خلافًا لمالك والجبائي وأحد قولي الشافعي وأحمد، إذا كان الصحابي راجحاً في نظره على غيره من الصحابة المخالفين له وهو ممنوع، وكذا لا يصح له تقليد غيره ولو كان فيما يخصه من الأحكام لنفسه دون ما يفتي به، والله أعلم، قوله:


(١) الأمالي الخميسية الحديث الثالث والثلاثون في ذكر الولاة ٢/ ٤٤٥، ٢٣٨، والإرشاد للعنسي ١/ ٢٩، م/ الطبري الكبير ٥/ ٤٥٣، برقم (١٧٦٥ والبخاري في التاريخ الكبير ١/ ١٤٥، مسند أحمد رقم (١٧٠٧٦).